أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – بالله عليكِ يا سيدتي، لا تَمدِّي يدكِ يا أمي يا أميرة الأمهات، فاليوم يحتفل العالم بعيد الأم، ونحن نحتفل أيضا بيوم الكرامة (فالأم كرامة..) ولك أن تُشْعِلي الفرح متى شِئْتي، لا أن تمدي يدَك طالبة العون والمساعدة من أحد، فأنت العون وأنت الحياة.
مجرم من أوصَلك يا أمي إلى هذه الحال، فقد كنتِ دائمًا رمز العطاء، ومن يديك يتفجّر نبع الحنان.
يا أمي لا تنتظري المؤسسات الدُّولية التي تمد يد العون، ولا القادة الذين جاءوا في غفلة من الزَّمَنْ، أنت مصنع الرجال، وأنت من تَخرّ لكِ القامات تقديرا واحتراما.
في الصورة امرأة عراقية (مثل كل النساء المهجرات في كل مكان) تنتظر دورها كي تحصل على مساعدة من قبل الصليب الأحمر الذي يوزعها إلى الأسر المهجّرة في بغداد.
يا أمي، نعيش في هذه الأيام ذكرى 20 عاما على الحرب الأمريكية في العراق، ويحتفل بوش ورجاله الجدد بما تحقق لهم من انتصارات وهمية.. هم لا يعرفون يا أمي أن كل انتصاراتهم لا تساوي أن تمدي يدك طالبة المساعدة لتوفير لقمة خبز، لا يعرفون أن كل مغانم “ديمقراطيتهم الموهومة” لا تساوي دمعة من عينيك.
يا أمي أنت أكبر منهم جميعًا، منذ أشعلت الحطب تحت قدر يطبخ فيه الحصى لإسكات جوع الأطفال، فأدمى هذا الموقف قلب عُمَر.
المرأة العراقية والسورية والفلسطينية….، يحتفلن اليوم بعيد الأم وهن ثَكالى أو أرامل، ويبحثن عن فرصة لتحقيق آمال عائلتهن، ولتأمين العيش لِصِغارِهِن اليتامى، كما أنهن يتحدين الصعاب من أجل استمرار حياة، وهن صَبوراتٍ يتحملن أحزان الدنيا وأعْباء الحياة، وقد رسمت على وجوههن المتعبات ابتسامة أمل لا تنتهي.
المرأة العراقية كما كل النساء الصابِرات، من طراز خاص لا شبيه لها في الكون، عَلّمتها الحياة ألا تحني قامتها، بل تبقى شوكة صامدة في وجه الغدر. ففي زمن الحروب هي أخت وابنة وزوجة تساند الرجل في القتال، وفي السلم حبيبة محبة للحياة والعطاء ولكل شيء جميل.
كلهم مجرمون يا أمي ويجب أن تقطع أياديهم، قبل أن تشتدّ عليك أنياب الجوع وصراخ الأطفال، فتقفين في طابور تمدين يدك بانتظار المساعدة.
يا أمي.. أنت وجع العراق، ووجعنا جميعا.
أعيديها أيتها الشامخة شموخ بابل وسومر، أعيديها فما من كرامة سيمنحونها لكِ، فأنتِ التي منحتيهم كرامة التأريخ، وعبق الماضي.
في عيدكِ، عيد الأمهات أقول: موتي جوعا يا أماه، لأفتح ساخرا منا جميعا ديوان ابنك السياب وأقرأ منه:
«أماه ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار
لا باب فيه لكي أدق ولا نوافذ في الجدار».
الدايم الله….