أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – نشرت مقالا تأريخ ٢٠١٥/٣/٨ في صحيفة “العرب اليوم” عنوانه “بدران وعبيدات.. القيادة السرية للإخوان المسلمين”.
بعد أن غيَّب الموت – السبت – المرحوم مضر بدران، تابعت إشادات من أصدقاء الإخوان المسلمين في المرحلة التي قاد فيها الحياة السياسية في الأردن، فتذكرت المقال، أستميحكم عذرا بإعادة نشره….
مضر بدران واحمد عبيدات، شخصيتان سياسيتان، من المدرسة السياسية والأمنية نفسها، تَشابَها في الأدوار، وفي المناصب التي تقلداها، لهما بصمات واضحة في الحياة السياسية الأردنية خلال الخمسين عاما الماضية، ولهما دور مهم في صياغة ثنائية “الدولة والإخوان” التي تراجعت منذ بداية المملكة الرابعة.
بدران وعبيدات، لم يكونا فقط قريبين من القيادات التأريخية لجماعة الإخوان المسلمين، بل كانا يمثلان – بالمعنى المجازي – القيادة السرية لهذه الجماعة، وكانا ذوي سطوة على مجمل قرارات وتوجهات الجماعة.
بدران؛ في حلقات “سياسي يتذكر” التي نشرتها الزميلة “الغد” وأعدها الصحافي الزميل محمد خير الرواشدة، عرّج على مفاصل مهمة في فترة تسلمه إدارة المخابرات العامة ورئاسة الوزراء، وتحدث بالتفاصيل عن حكومته التي أشرك فيها خمسة وزراء من الإخوان، ولا يزال يشيد بدورهم حتى الآن، كشف عن قضية في غاية الأهمية، عندما طلب منه المغفور له الملك الراحل الحسين بن طلال، بعد تكليفه تشكيل الوزارة، أن يعمل على إشراك جماعة الإخوان في حكومته، مباشرة أبلغ الملك الراحل أن يعتبر الجماعة جزءًا من حكومته، وذلك قبل أن يعود إلى مشاورة الجماعة.
يقول: بعد لقاء الملك الراحل اتصلت مع الدكتور إسحق الفرحان ونقلت له رغبة الملك الراحل بمشاركة الإخوان في الحكومة، فوافق الفرحان وطلب منه انتظار قرار مباشر من الجماعة الذين أبلغوه موافقتهم بعد ساعات، ودخل الحكومة خمسة وزراء من الإخوان.
أحمد عبيدات، عاد إلى العمل السياسي بعد أن أنجز الميثاق الوطني، من بوابة الإخوان المسلمين، عندما حاول تشكيل الجبهة الوطنية للإصلاح، وقاد نشاطها طوال سنتي عمرها، من أجل إعادة جماعة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية بعد قرارات العزوف عن المشاركة السياسية في البلاد، والحرد عن المشاركة في الانتخابات.
في فترة عمل الجبهة ونشاطها، كان عبيدات الأقرب إلى قيادات الإخوان المشاركين في الهيئة القيادية للجبهة، وحاول ترشيد حركة الجماعة، وأخذ على عاتقه امتصاص غضب أهم اعتصام نظمه الإخوان والحراك في جبل الحسين في 30 /11 /2012، وتحولت فيه مسيرة الجبهة الوطنية للإصلاح إلى اعتصام بالقرب من دوار الداخلية ورفع شعار: “يلا ارحل يا نسور قبل الشعب ما يثور…”
نعود إلى بدران وعبيدات هذه الأيام، بعد أن انقسمت جماعة الإخوان المسلمين، وأصبح هناك مراقبان عامّان للجماعة، وقيادتان إحداهما تريد قطع كل علاقة بالتنظيم العالمي، والأخرى تريد “أرْدَنة الجماعة”، وبعد أن فشلت جهود الرموز التأريخية كلها في محاولة منع الانشقاق، ورأب الصدع.
بدران وعبيدات الوحيدان اللذان كانا يملكان عصا سحرية على الجماعة، فهل ما زال بإمكانهما أن يقوما بدور مختلف عن الأدوار التي حاولت رموز من المرحلة السابقة القيام به قبل أن تصل الأمور لدى الجماعة إلى حالة لا يمكن تفادي نتائج انشقاقها.
قد لا تنفع الآن أية معالجات لقضية الجماعة من دون أن يعترف الطرف المتشدد بأن عليه أن يعيد مراجعة مسيرته وقراراته، وأن يعلن بوضوح موقفه من الإرهاب، وداعش من دون مواربة واختفاء خلف عبارات مطاطة، وأن يتوقف عن التهديد المباشر وأن التأزيم سيدفع المتشددين منهم للالتحاق بداعش، فتكفي سنوات الحضانة والرعاية التي تجاوزت الـ 60 عاما، والأهم أن يخرجوا من عباءة التنظيم الدُّولي وأجندات المنطقة، والتوقف عن رحلات الحج إلى تركيا بعد القاهرة.
في الأفق العام، هناك محاولة أميركية عربية جديدة لإعادة استيعاب جماعة الإخوان، خاصة الراشدين منهم، مستوحاة من تجربة الغنوشي في تونس، وصهرهم في مشروعات المنطقة، بشرط أن يعيدوا تعريف الإرهاب في أدبياتهم، ويتموضعوا من جديد في تحالفات المنطقة، فيتم التخفيف عنهم في مصر والسعودية والخليج والأردن خاصة المعتدلين منهم.
من غير المستبعد أن يتم تحريك الحياة السياسية من جديد في الأردن تُجاة إعادة الإخوان للحياة السياسية، وهذا يعني انتخابات برلمانية جديدة يشارك فيها الإخوان، وهذا لا يمنع إعادة عبيدات – مثلا – لرئاسة الحكومة بالتفاهم الإخوان، وفتح صفحة جديدة.