كمال خليل قيمة فنية تستحق الحديث عنها

  محمد قاسم عابورة  – الأول نيوز –    

        

         عندما نتحدث عن الفنان المبدع  كمال خليل نحتار من أين نبدأ ، فمحطات الكفاح والمعاناة والصبر كثيرة وجلها تستحق الوقوف أمامها والحديث عنها ، ينتمي هذا الفنان إلى بيئة اللجوء والشتات بكل ما تحمله من تفاصيل ، منذ الصغر حرم من المشي واللعب في شوارع الوطن وحاراته، ولكن الوطن يمشى في كافة خلايا جسده ، حرم الأرتواء من مياه الوطن ، ولكن الوطن يسري دما في عروقه .

      لعل المعاناة والتفاعل معها منذ الطفولة كشفت عن موهبة مبكرة ونمت مع نمو الأحداث الجسام في المنطقة عامة والقضية الفلسطينية خاصة ، لم تكن حياة كمال مفروشة بالورد رغم اهتمامه بزراعتها ، ولم ينم يوما على انغام موسيقي هادئة رغم عشقه لها ، لقد بدأ كمال صراعا مع الحياة ومتطلباتها ، لم يخف يوما من

( الغولة ) في حكايا الجدات ، التي كانت مصدر خوف الكبار قبل الصغار  ، وان أخذت ( الغولة ) اشكالا جديدة في يومنا هذا ، وكذلك لم تبهره شخصية الشاطر حسن التي كان يسمعها في قصص مجالس الشتاء القارس ، وان تقمصها أشخاص معاصرون ينبهر بهم البعض ، لقد واجه الحياة بعصامية وكفاح ،  قدس العمل بصفته قيمة اجتماعية وضرورة حياة كريمة ، لذلك لم يخجل يوما من العمل اليدوي ، عمل بناء ، وعامل طوبار ، وفي اعمال البلاط والقصارة ، وكما قال عنه يوما الكاتب المبدع يوسف غيشان ( كمال فنان تقدمي ويعمل طوبرجيا ، ولم يصل الى درجة متعهد ولن يصبح متعهدا ) ،لأن الفن عنده رسالة انسانية.

       كمال خليل  طموحا في صقل موهبته ، ومقتنعا بأن الموسيقى هي ايضا علم ، لهذا التحق متأخرا بضع سنوات بجامعة اليرموك للدراسة ، فكان في بعض الأحيان يترك ورش البناء والطوبار مبكرا ليلتحق في قاعات الدرس ويديه قد تحور لونها من اثار الرمل ، ورسم الأسمنت في كفيه شقوقا وأخاديد وجراح معركة الصراع من أجل حياة كريمة، ولكن هذه اليد الخشنة المتحور لونها والمثخنة بالجراح عندما تمسك آلة العود فانها تعزف الحانا تحرك المشاعر وألأحاسيس ألأنسانية بما تحمله من عمق حضارة وثقافة انسانية متوارثة تمتد الى كنعان واوغريت .

       لقد ارتبط اسم كمال خليل بفرقة  (بلدنا  ) ، هذه الفرقة التي أسسها كمال خليل مع رفيق دربه وصديقه  الفنان الملتزم وضاح زقطان ، ومنها كانت البداية ،  أسس هذا الثنائي لونا موسيقيا وغناء ملتزما مميزا ، والتف حولهم مجموعة من الأصدقاء ، والذين أصبحوا في مرحلة لاحقة أصدقاء دائمين وداعمين للفرقة ، بقدمون الدعم اللوجستي والعلاقات العامة ، لقد تطور أداء الفرقة وبدأ يؤثر في أوساط المجتمع الأردني ، ويستقطب جمهورا واسعا خاصة أوساط الشباب في النوادي الثقافية والأجتماعية ، وبدأت تشكل ظاهرة واعدة ، حيث انتشرت اغاني الفرقة في تلك المرحلة بشكل كبير ، وبقي الفنان كمال خليل في قيادة فرقة بلدنا وتطويرها لتصبح  في تسعينيات القرن الماضي الفرقة الأهم  في الفن الملتزم .                                                                                                 

     وبالتأكيد عندما نتكلم عن كمال خليل الفنان لا نستطيع ان نتجاوز أو ننسى الشاعر المبدع ابراهيم نصر الله ، حيث شكل التعاون بينهما ثنائيا مميزا ، فقد كان لهذا التعاون أثارا  ايجابية وقوة دافعة للفرقة ، حيث تفاعل احساس ابراهيم نصر الله مع موسيقى والحان كمال خليل ، كذلك أحس كمال بكلمات ابراهيم نصر الله ،  لتخرج جملا موسيقية متكاملة  ، تسحر السامع وتجذبه ، فتحس بكلمات نصرالله بأنها الموسيقى ، وتسمع ألحان كمال كأنها القصيدة .

       لقد لحن كمال خليل وغنى ، غنى للوطن ، للأنسان ، للحب والحياة ، غنى لفلسطين والوطن العربي ، غنى للنيل العربي ، و لجبال عجلون ، غنى لغزة كما هي مرجعيون في الجنوب اللبناني ، وللكرك كما هي جنين ،   كمال خليل فنان تقدمي، ومناضل ثوري ،  منتمي لبيئته وطبقته ، منحازا للفقراء وعدوا للفقر ، العمل عنده عبادة ، والفن رسالة .

       أخيرا لنحاول معا أن نتعلم كما دعانا كمال  خليل في اغنية فرقة بلدنا  (علمونا   .. علمونا كيف نصنع من ظلام الليل شعلة ،علمونا كيف نجني من جراح القلب فلة ، علمونا كيف يغدو قلبنا للأرض أزهارا وفوق الجرح قبلة ) .

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

المملكة بين ذاكرة التأسيس ومسؤولية الامتداد

الأول نيوز – د. حسين سالم السرحان في مسيرة الدولة الأردنية لم يكن البناء السياسي …