وائل ملالحة *-
الأول نيوز – بينما يستمر الجدل حول إعادة بناء التحرير الفلسطينية – وهو جدل يمثل إثارته مكسبا بحد ذاته – تطفو على السطح جملة من الأفكار والمواقف السياسية التي ينبغي تظهيرها للشعب الفلسطيني والتي – ربما – تساعد على الفرز بين الأطروحات وتمييز الخبيث من الطيب فيها.
ولعل أول ما ينبغي التمييز بينه من أطروحات هو كيفية التعامل مع المنظمة: هل هي رمز للهوية العربية الفلسطينية النقيض للصهيونية أم انها إطارا ناظما للعمل الفلسطيني (بمعنى رمزا لهوية أم إطار عمل؟). فإذا كانت إطارا للعمل السياسي فهذا يمكن نقده وتحديثه وتطويره وربما تبديله وتغييره بالكامل لانتهاء صلاحيته وعدم جدوى إصلاحه وفق المقولات الدارجة “فالج لا تعالج” أو الرأي القائل بأن “الشعب الذي أنشأ المنظمة يستطيع أن يُنشئ غيرها”. وهذا في رأينا منطق سطحي يجهل ماهية المنظمة الحقيقية ويختزل دورها في جانب واحد وهو جانب الأداء السياسي القابل للتغير، وللنجاح والفشل، والتقدم والتأخر، أي أنه جانب “متحول”.
إما إذا كانت المنظمة – أولا وقبل كل شيء – تعبيرا عن الهوية العربية الفلسطينية التي هي بالضرورة نقيضا للصهيونية، فهذه مقاربة أخرى، يتوجب عليها أشياء كثيرة، وهي المقاربة التي نتبناها. المنظمة نشأت في سياق معروف للجميع، لا حاجة لتكراره، ويهمنا أن نؤكد على النقاط الفارقة التالية:
أولا: إن تصريح بلفور الذي كان “وعد من لا يملك لمن لايستحق” ينقضه خلق المنظمة التي أظهرت المالك الحقيقي لفلسطين وأظهرت ممثله.
ثانيا: إن خيانة عصبة الأمم للأمانة التي أودعت لديها وهي فلسطين وشعبها، وحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير أسوة بكل الشعوب التي كانت جزءا من الإمبراطورية، قد تم الرد عليها كلها من خلال خلق المنظمة عام 1964 بميثاقها القومي والاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واعتبار المنظمة ممثلا له عام 1974 بميثاقها الوطني آنذاك.
ثالثا: إن خلق المنظمة مثل ردا على الصهيونية ممثلة رمزيا بـ وايزمان (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) و بن غوريون (سنحول الفلسطينيين إلى غبار تحت أقدام الأمم) و جولدا مائير (الكبار يموتون والصغار ينسون). حيث أسقطت مرحلة الكفاح المسلح لمنظمة التحرير كل تلك المقولات وفرضت الشعب الفلسطيني وقضيته على العالم أجمع.
رابعا: إن خلق المنظمة أخرج قضية فلسطين من أدراج الجامعة العربية التي دفنتها واعتبرتها قضية لاجئين تساوقا مع الوضع الدولي من عام 1948 حتى عام 1964، ثم أخرج القضية الفلسطينية من أيدي الحكومات العربية ذات الأداء البائس قبل النكبة وبعدها، ووضعتها في يد الفلسطينيين الذين اعتبروا أنفسهم مجرد رأس حربة للامة بأسرها في الصراع ضد الصهيونية والإمبريالية الأوروبية والأمريكية.
وفق هذه المقاربة لمنظمة التحرير الفلسطينية تسقط كل الاطروحات الداعية – تصريحا أو تلميحا – لهدم المنظمة أو استبدالها أو خلق كيانات موازية لها. ومن هنا ننطلق في فهم ماهية المنظمة – عند تأسيسها ومنذ تأسيسها – القائم على جوهر القضية وهي احتلال فلسطين (من بحرها إلى نهرها) وعلى حق الشعب الفلسطيني 14 مليون – منفردا – في تقرير مصيره على أرضه وممثله منظمة التحرير، وهذا هو “الثابت”. هذا هو التلازم الثابت بين جوهر القضية والمنظمة، وهذه هي المقاربة التي يسقط أمامها أي حديث عن هدم أو استبدال.
أما ما نسمعه من سياسيين، وما يطرحونه عن إعادة بناء المنظمة (أو اصلاحها) ومنهم من كان جزءا في عملية افساد السياسة والمنظمة، وحديثهم عن إعادة البناء على أساس “ثوابت جديدة” مثل حل الدولتين، وإقامة دولة على 22% من أرض فلسطين، أو الحديث عن ترك “العدمية”و”الرومانسية السياسية” ممثلة بشعار من البحر إلى النهر والتغني ببركات نهج التسوية وبرنامج النقاط العشر والاعتراف بالقرار 242، أو الحديث عن إعادة انتاج السلطة الفلسطينية (تحت بساطير الاحتلال)، أو اجراء انتخابات تشريعية … كل ذلك ليس حديثا عن إعادة بناء المنظمة (منظمة تحرير فلسطين من البحر الى النهر وحق تقرير المصير لـ 14 مليون فلسطيني في فلسطين والشتات وفق الميثاق الوطني لعام 1968) إنما هو إعادة انتاج وتدوير لنفس البرامج والقوى التي أنتجت هذا المأزق، تحت غطاء إعادة بناء المنظمة.
* عضو لجنة المتابعة – المؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليون