فخري قعوار..المتعدّد المواهب

 

 د. سليمان صويص –

 

الأول نيوز – في بلدنا، قلائل هم الأشخاص الذين يمتلكون مواهب متعددة، ويبدعون في مجالات عديدة يظلّ الخيط الرفيع الذي يربط بينها هو خدمة قضايا الشعب، والتعبير عن آلامه وطموحاته، والعمل ، من خلال الإبداع الأدبي بخاصة، على الإرتقاء بوعي الناس العاديين.

من بين هؤلاء الذين نفتخر بهم كثيراً الأديب والقاص والصحفي والنقابي والناقد والبرلماني فخري قعوار الذي يصادف اليوم، التاسع من حزيران، عيد ميلاده؛ إذ ولد أستاذنا الكبير في مثل هذا اليوم من عام 1945 في الرويشد؛ وتنقّل خلال حياته الثرية جداً بين مدن أردنية عدة، قبل أن يستقر في الفحيص.

بالمثل، مارس «مهناً » عديدة أبدع فيها، بدءاً من الكتابة الصحفية والأدبية، مروراً بالتعليم، وليس إنتهاءاً بالعمل النقابي والسياسي؛ إذ انتخب عضواً في مجلس النواب عام 1989 عن أحد مقاعد عمّان. نشر قصصه القصيرة في مجلات أردنية وعربية عديدة، مثل «القصة» المصرية، و «الأديب» اللبنانية، و «الأفق الجديد» المقدسية، فضلاً عن إبداعه في أدب الأطفال، ورئاسته لتحرير مجلة «وسام» للأطفال..

ما يلفت الإنتباه ويثير الإعجاب في شخصية فخري قدرته على ممارسة نشاطات إبداعية متنوعة وغزيرة، كرّس لها عقوداً طويلة من حياته : المقالة الصحفية، القصة القصيرة، كتابة المسلسلات التلفزيونية وإعداد البرامج الإذاعية، وتميّزه الواضح في الأدب الساخر الذي جعل منه وسيلة رفيعة للكشف عن عيوب المجتمع وزيادة الوعي بالمشكلات التي تؤخّر تطوّره. ولهذا، فليس من المستغرب حصوله على جوائز تكريم وتقدير لإنتاجه الأدبي من الدولة الأردنية، ومؤسسات أهلية عديدة أبرزها رابطة الكتّاب الأردنيين التي ترأس هيئتها الإدارية لدورتين وعضواً فيها لسنوات عديدة ايضاً ، والاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب الذي انتخب رئيساً له مرتين.

كانت زاوية «شيء ما» لفخري قعوار في صحيفة «الرأي» مقروءة على نطاق واسع. بعد عودتي إلى البلاد من الخارج عام 1985، بدأتُ بإرسال مقالات إلى الأستاذ فخري الذي كان ينشرها على الدوام، مع بعض الملاحظات أو التقديم لها. والحقيقة أنني كنتُ أفاجأ بنشر بعض مقالاتي نظراً لجرأة ما كنت اطرحه فيها، ويعود الفضل في ذلك بالدرجة الأولى للأستاذ فخري الذي كان هو نفسه جريئاً في طرح آرائه، وكان يلجأ إلى أساليب تنمّ عن ذكاء وفطنة لتمرير مواقفه خلال فترة الأحكام العرفية التي تعرفها جيداً أجيال سابقة.

لا أزال أتذكّر مقاله «الخبطة الصحفية» بعنوان «ضرب زيد عمرو». وللتذكير، قامت الحكومة، على نحو تعسفي، في صيف عام 1988 بحل مجالس إدارات الصحف، وعيّنت بدلاً منها «لجاناً للإدارة». كان ذلك إعتداءاً صارخاً على حرية الصحافة والصحفيين…في ظل تلك الاجواء المتوترة، لم يجرؤ صوت علني على التنديد بتلك الخطوة الجائرة. لكن فخري قعوار «إحتال» على الإدارة الجديدة، وتمكن من نشر مقال يبدو في ظاهره بريئاً ؛ إذ يستند إلى مثل شعبي معروف. يتحدث المقال عن عمرو الذي كان يمشي الحيط الحيط وينشد الستر .. لكن زيداً الشرير كان يتحرش به ويشتمه. وفي كل مرة كان عمرو يحاول الابتعاد عن زيد وتجنب الإحتكاك به، يعود هذا إلى إهانته ومضايقته بين الحين والآخر…إلى أن وصل الأمر في النهاية إلى أن «يضرب زيدٌ عمرو»، فزاد ذلك من احتجاج عمرو وغضبه وتصميمه هذه المرة على الرد ..إلخ..الكثيرون فهموا من كان المقصود في ذلك المقال: عمرو، الصحافة الضحية المعتدى عليها للتو..و«زيد» إسم لرئيس وزراء في ذلك الوقت…المهم أن موقف الشجب والإدانة للقرار الحكومي وصل، ولو بالتورية.

وقبلها، كان مقاله «عمّان في القلب» (أنظر الرابط أدناه) الذي بسببه أقاله المرحوم مضر بدران من عمله في جامعة اليرموك عند تأسيسها.

نتمنى للكاتب والأديب، والشخصية المرموقة فخري قعوار الشفاء من المرض الذي ألمّ به في السنوات الأخيرة وحال دون مواصلته العطاء والإبداع. صحيح أنه جرى تكريمه العام الماضي في إطار فعاليات مهرجان جرش، لكننا نعتقد بأن شكلاً آخر من التكريم مطلوب من وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية الأخرى، وهو طباعة ونشر مذكراته المخطوطة، وهي ولا شك غنية ومهمة؛ وكذلك طباعة أعماله الكاملة، وبعض مجموعاته القصصية المميزة، وهي من الأدب الساخر بإمتياز ونفدت طبعاتها منذ زمن طويل، مثل « فرحان فرح سعيد» (صدرت عام 1982)، و «لماذا بكت سوزي كثيراً» (1973) ، و «ممنوع لعب الشطرنج» (1976). فخري قعوار «مدرسة» وموهبة في الأدب والإبداع قلّ ان يجود مجتمعنا بمثلها.

الرابط لمقال «عمّان في القلب»:

facebook.com/fakhrikawar/posts/10156135413353670

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

توافق نيابي مفاجىء!!

الاول نيوز – د. ذوقان عبيدات من المعروف أن ثقافة المواطن الأردني تنافسية، وزادت الديموقراطية …