عبد الحسين شعبان –
الأول نيوز – تتغذّى مشاعر الكراهية لدى الأفراد أو الجماعات، باستغلال الجانب الغرائزي والانتماءات الضيّقة والهويّات المغلقة، التي تقوم على التعصّب بادعاء الأفضليات وامتلاك الحقيقة تحت مسوّغات دينية أو عرقية (إثنية) أو طائفية أو مذهبية أو أيديولوجية أو عشائرية أو غير ذلك، وهذه بدورها تنمّي الشكوك وتزرع الأحقاد بين الناس، لأنها تقوم على ادعاءات التفوّق، فيُصبح «الآخر»، أي آخر، خصماً أو عدوّاً «وكُلّ غريب مريب»، وبالتالي فهو لا يستحق ذات المكانة التي ينتمي إليها الفرد أو المجموعة.
والتعصّب يتضمن الرغبة في الإقصاء والإلغاء والتهميش، والحطّ من قدر الآخر، وذلك قبل أن يتحول إلى فعل أو سلوك، إلّا أنه يُصبح خطراً حين ينتقل من التفكير إلى التنفيذ فيتحول إلى تطرف.
يقترن بفرض الرأي بالقوة بزعم امتلاك الحق، فيسوق حججاً ومبررات لذلك، وهكذا لا يتورع المتطرف من اللجوء إلى العنف لفرض رأيه، سواء كان لفظياً أو مادياً. والعنف هو نتاج استيلاء التعصب والتطرف على عقل الإنسان، وتبرير ما يقوم به حتى ولو ارتكب مجازر، فلا ضير في ذلك. لأن الحقيقة ستكون إلى جانبه مدّعياً أن غايته شريفة، بغض النظر عن الوسيلة التي يستخدمها للوصول إلى غايته.
وليس غريباً حين يتمكن التعصب ثم التطرف من إنسان أو مجموعة بشرية، فيستحكم فيه أو فيها الكراهية ضدّ الآخر، وهو ما يترجم أحياناً إلى أعمال عنف لا إنسانية، طالما يستبطن ذلك الاعتقاد بصوابية السلوك والفكرة.
ولعل أكثر المجازر في التاريخ التي أُزهقت فيها ملايين الأرواح، وشنّت الحروب واندلعت النزاعات بسببها قامت على الكراهية، فالضحايا يصبحون مجرّد أرقام، ومن يلتجئ إلى ذلك يجد التفسيرات والتعليلات، تارة بحجّة المظالم التاريخية وأخرى رد فعل للاستلابات من خلال الانتقام، وثالثة بسبب الفقر والبطالة ومرّة رابعة بالتفاوت الاجتماعي والطبقي، وبكل الأحوال الادعاء بالتفوق والأفضلية على الآخر، وهناك من يضيف ظلم النظام الاجتماعي، إضافة إلى عوامل نفسية شخصية وعامة، بما فيها ظلم القوى الخارجية وطغيانها، وهكذا تظهر الكراهية والانتقام والثأر كعناصر للقيام بالفعل ضدّ الآخر.
وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية هناك من يحرّض ويعبّئ وينظّر لثقافة الكراهية، حيث التخلّف يهيّئ مناخاً مناسباً لها ثقافياً وفكرياً، فتنمو فيروساتها وتتكاثر، لتنتشر ضمن أجندات سياسية تقوم على تكفير الآخر بعد تأثيمه وتجريمه وتحريمه.
حين قُتل فرج فودة، سُئل القاتل: ولماذا قتلته؟ قال: لأنه كافر، فسأله القاضي: ومن أين عرفت ذلك؟ هل قرأت ما كتبه؟ فأجابه: كلا، لأنني لا أقرأ ولا أكتب وإنما سمعت ذلك. وهنا تكون الإشاعة أحياناً أقوى من الحقيقة، وهو ما يُراد بثه للهيمنة على العقول وتسخيرها، والأمر حصل في محاولة قتل نجيب محفوظ وجار الله عمر، وكأن التاريخ يُعيد نفسه.
وقد اطّلعت على إجابات بعض المرتكبين عن إقدامهم على الفعل الإجرامي، فأجابوا لو عادوا مرّة أخرى سيقومون بذات العمل، لأن معتقداتهم الدينية أو الطائفية أو السياسية، هي التي تدفعهم لذلك لاجتثاث الفكر الآخر، وليس ذلك سوى هيمنة ثقافة الكراهية على بعض البشر، والأمر لا يقتصر على الجهلة أو غير المتعلّمين، بل إن بعضهم تخرّج في أرقى الجامعات، لكنه تشرّب بروح الكراهية، وشُحِن بالعداء للآخر، حيث تلعب بعض الأيديولوجيات دورها في ذلك من خلال روافد مختلفة، لاسيما في مخاطبة الشباب بزعم «الموت من أجل العقيدة» و«ملاقاة الله» تحت عناوين لا علاقة لها بالجهاد في الإسلام، بل إن ما يقومون به شكل من أشكال العنف والإرهاب القائمين على التعصّب ووليده التطرف.
إن ثقافة الكراهية، هي نتاج فكر استعلائي متعصّب، يدّعى احتكار الحق والحقيقة، بعضها يقوم على أوهام التفوّق، التي يتم ضخّها بأساليب مختلفة من خلال مناهج التعليم والإعلام والخطاب الديني بالضدّ من الآخر، سواء بالممارسة العملية أو من خلال قوانين تمييزية تتعارض مع ثقافة السلام والتسامح والتنوّع والتعددية.
لعلّ ما حصل في رواندا العام 1994 من جرائم إبادة جماعية، مدعاة للتفكّر بما تنتجه ثقافة الكراهية، حيث تعرضت قبيلة التوتسي إلى الإبادة الجماعية، الأمر الذي دفع الأمم المتحدة في العام 2003 إلى استذكار تلك الجرائم الأليمة، التي قُتل فيها 800 ألف إنسان على يد قبيلة الهوتو.