الدكتور عيسى برهومة يفكّك العلاقة بين اللغة والجنس

د. موسى برهومة –

الأول نيوز – ينتسب الدكتور عيسى برهومة إلى طائفة من “العلماء” توشك أن تنقرض، فقد وهب نفسه للبحث والمعرفة، واختار أن يسير على دروب أساتذته الكبار، وأن يرتقي إلى المرتفعات الصعبة، بل والمستحيلة في البحث والتنقيب. أقول مستحيلة، لأنّها تحتاج إلى فريق مؤسسيّ خبير كي ينجزها. وفي غياب هذا المطلب “الطبيعيّ” تولّى الدكتور برهومة أن يحمل الصخرة العنيدة بكفّيه الصلبتين.
دواعي هذه الكتابة عن الدكتور عيسى (أستاذ اللسانيّات التطبيقيّة في الجامعة الهاشميّة) عديدة، وليس صدور كتابه “اللغة والجنس” في طبعة جديدة ومزيدة ومنقّحة، إلا أحد تلك الدواعي التي ينضاف إليها إنجازه الجزء الأول من موسوعة ضخمة (من حقه أن يُعلن عنها) تثير العجب والدهشة، وتستدعي رفع القبّعة له، فلا يتجشّم هذا العناء إلا راهب في معبد!
في “اللغة والجنس”، الذي صدر أخيراً عن المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت، يقوم الباحث بـ”حفريّات لغويّة في الذكورة والأنوثة” يستجلي من خلالها مكانة اللغة في المجتمع، والسلوك اللغويّ بين الجنسين وتمثّلاته، وكذلك اللغة والثقافة والتحيّز.
ويلاحظ الدكتور برهومة أنّ الحركة النسويّة (Feminism)، قد أسهمت “في طرح أسئلة الاختلاف اللغويّ، حيث شعرت النِّسويات (Feminists) بأنّ اللغة امتهنت النساء، وأنّها من بعد ذلك مارست عليهنَّ ضروباً من الإقصاء والإبعاد والطّمس”.
الكتاب، الذي صدرت طبعته الأولى عن دار الشروق بعمّان عام 2002، يمثل درساً لغويّاً اجتماعيّاً في فلسفة اللغة والجندر. إذ إنّ الباحث لا يتقصّى، وحسب، تمثّلات الذكورية في النحو والصرف، بل يذهب إلى “النقد الثقافيّ” لهذه الإشكالية، ويقرّ بأنّ “الخطاب المهيمن في اللغات هو خطاب الذكورة”، رابطاً جذور ذلك بنظام الخطاب البطريركيّ التي كرّسته اللغة العربيّة، والذي يُجيز، كما قال الدكتور نهاد الموسى (لروحه النور والسلام) في تقدمة الكتاب، أن يخاطَب حشدٌ من النساء بينهم ذكر، بلغة الجماعة… على الرغم من أنّ “اللغة مؤنثة، والثقافة مؤنثة” لكنّ “المجتمع مذكّر”، حيث يتساءل الدكتور الموسى: هل يكون التدخّل في النظام اللغويّ، وحده، تدبيراً كافياً لنفي التحيّز الثقافيّ أو الاجتماعيّ”؟
الكتاب، منذ صدور طبعته الأولى ونفادها، استحوذ على انتباه الباحثين اللغويين العرب، لأنّ صاحبه، كما يقول د. نادر سراج، خاض غمار البحث “متسلّحاً بمنهجيّة نقديّة، وعتاد نظريّ، وخبرة ميدانيّة خصبة”، لهذا فإنّ الكتاب “ضرب من الدّراسة مألوف في اللغات الأخرى، ولكنه نادرٌ في اللغة العربيّة، وفق د. محمد خطابي.
ويقول د. عبدالقادر الرّباعي إنه “كتاب مختلف لأكاديميّ مختلف”، ووصف د. أحمد ماضي المؤلِّف بأنه “متمكن من أصول البحث العلميّ، وهو ذو آراء سديدة”.
الكتاب، في نظر د. بشير إبرير، “يحمل معرفة لغويّة واجتماعيّة ذات قيمة في تنمية الإدراك والتّذوّق وربط اللغة بالحياة”. لأنه يجمع، بحسب د.عماد عبداللطيف “بين المنظور المقارِن الذي يعمِّق من إدراكنا لنظرة العربيّة إلى الجنس، والمنظور الوصفيّ الذي يتتبَّع تجلّيات الجنس في اللغة والكلام”.
أما د.عماد أحمد الزّبن فوجد أنّ الكتاب يجدّد “فينا أسئلةً جذرية في نطاق علاقة اللُّغة بالإنسان”.
لعل أية مقاربة تفكّك خطاب كتاب “اللغة والجنس” تحتاج إلى حيّز أوسع من هذه العجالة التعريفيّة بهذا المبحث الذي عكف عليه الدكتور عيسى برهومة الذي اختار درباً في البحث اللغويّ والاجتماعيّ، لم يسلكه كثيرون من المنتسبين والمشتغلين بلغة الضاد، ومن هنا تنبع أهمية الكتاب وألمعيّته.
قالت العرب: “مجدُ التّاجر في كِيسه، ومجد العالِم في كراريسه”.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

“العرب فى دائرة الخطر” جديد الدكتور محمد الرميحي

  الأول نيوز – صدر حديثا عن دار أقلام عربية بالقاهرة كتاب “العرب فى دائرة …