التوفيق بين العدالة والسلطة: إعادة النظر في الكيان الإسرائيلي دوليا

 د. شهاب المكاحله –

 

الأول نيوز – في شبكة العلاقات الدولية المعقدة، فإن الحصانة المستمرة الممنوحة لبعض الدول، والتي تجسدت في مناعة إسرائيل أمام اللوم القانوني، تشكل بمثابة تذكير صارخ بالمتاهة الأخلاقية المتأصلة في السياسة العالمية. وبينما يدافع العالم عن قدسية القانون الدولي، فإن الحماية الانتقائية لإسرائيل من التزاماتها القانونية تلقي بظلال من الشك على نسيج العدالة والنزاهة في مجال شؤون الدولة.

إن معاناة الشعب الفلسطيني تتطلب استجابة دولية موحدة وحازمة تدعم مبادئ العدالة وحقوق الإنسان وسيادة القانون. ومن الضروري أن يُظهر المجتمع الدولي تضامنا لا يتزعزع مع القضية الفلسطينية وأن يسعى بنشاط إلى اتخاذ تدابير تحمّل إسرائيل المسؤولية عن أفعالها. إن مبادئ المساءلة والعدالة هي ركائز أساسية لنظام عالمي عادل ومنصف، وأي استثناءات أو معاملة خاصة تُمنح لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني لا تؤدي إلى تآكل مصداقية القانون الدولي فحسب، بل تؤدي أيضا إلى إدامة دائرة العنف والانتهاكات. الظلم الذي يجب التصدي له بحسم.

تظل دورة العنف المتكررة بين إسرائيل وفلسطين بمثابة تذكير مؤلم بالعدوان الجامح الذي يواصل تخريب المنطقة، مخلفا وراءه آثارا من الدمار والخسارة. وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لتحقيق العدالة والإدانة الدولية، فإن تصرفات إسرائيل تبدو في كثير من الأحيان محصنة ضد التداعيات التي يفرضها القانون الدولي، مما يؤدي إلى إدامة الشعور بالإفلات من العقاب الذي يقوض أسس العدالة والمساءلة العالمية.

لقد أدت الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مراراً وتكراراً، إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية، وخسارة أرواح بريئة، وإحداث صدمة عميقة بين السكان الفلسطينيين. إن الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان، بما في ذلك تشريد الأسر، وتدمير المنازل، وتقييد الضروريات الأساسية، تعكس استهتاراً صارخاً بمبادئ القانون الإنساني وقدسية الحياة البشرية. وتتطلب هذه الانتهاكات الجسيمة اهتماما دوليا عاجلا وإجراءات حاسمة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها، وبالتالي ضمان العدالة للمجتمعات الفلسطينية المتضررة.

وعلى الرغم من القرارات العديدة التي أصدرتها الهيئات الدولية، واصلت إسرائيل العمل بإحساس بالحصانة، وغالباً ما تتهرب من العواقب القانونية لأفعالها. ولا يؤدي هذا النمط المستمر من السلوك إلى إدامة معاناة الفلسطينيين فحسب، بل يقوض أيضا مصداقية وفعالية الإطار القانوني الدولي، مما يلقي بظلال من الشك على التزام المجتمع الدولي بدعم مبادئ العدالة وحقوق الإنسان. إن مثل هذا الإفلات من العقاب لا يشجع سياسات إسرائيل العدوانية فحسب، بل يشكل أيضا سابقة خطيرة تهدد استقرار وأمن المنطقة برمتها.

وفي عالم الجغرافيا السياسية، يتجلى التناقض بين السلطة والمساءلة بوضوح في دوس إسرائيل المستمر على القرارات الدولية، وهو السرد الذي يديمه الدعم الذي لا ينضب من القوى العالمية المؤثرة. وكانت هذه العلاقة التكافلية، التي تمثل رقصة دقيقة بين ديناميكيات القوة والتشابكات الدبلوماسية، سبباً في تعزيز ثقافة حيث تصبح المبادئ القانونية مرنة، وتخضع للأهواء المتقلبة المتمثلة في النفعية السياسية بدلاً من الأساس الثابت للعدالة العالمية.

وفي هذا النسيج المعقد للحكم العالمي، تقع المسؤولية على عاتق الضمير الجماعي للمجتمع الدولي، الأشبه بأوصياء مدونة أخلاقية عالمية، على الشروع في مسعى نبيل: استرجاع العدالة من براثن السياسة النفعية. ومع تقاطع المجالات السماوية للسلطة والعدالة، دعونا نتصور نهضة الروح الدبلوماسية، مما يبشر بعصر لا تتأرجح فيه موازين العدالة الطاهرة تحت السيطرة الخبيثة للتحالفات السياسية. وفي هذا المسعى المقدس، ندافع عن عالم حيث عبء

المساءلة، الذي يشبه العملاق الدائم الذي لا ينضب، يقع على عاتق جميع الدول بشكل غير متحيز. إن قمة المعايير الأخلاقية تلوح في الأفق، ويتعين علينا أن ننير الطريق حيث تتحرك كل دولة، بغض النظر عن مكانتها، على نفس إيقاع الاستقامة الأخلاقية.

وضمن هذا النسيج المعقد، يبدو أن حجاب العدالة، الذي كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه أعمى ومحايد، يستسلم لوهج الولاءات السياسية المسببة للعمى، مما يفضح هشاشة الجهاز القانوني في مواجهة الفوارق الراسخة في السلطة. إن جوهر النظام العالمي يتأرجح على شفا النزاهة، في حين تشوه الفروق الدقيقة في السياسة الواقعية خيوط القانون الدولي، وتنسج سرداً معقداً يسلط الضوء على هشاشة العدالة عندما تواجه قوة الضرورات الجيوسياسية.

وفي هذا العصر الذي يتسم بإعادة المعايرة الجيوسياسية العميقة، يتعين على المجتمع الدولي أن يواجه ازدواجية القوة والأخلاق، والتوفيق بين مقتضيات السياسة الواقعية وضرورات النظام العالمي العادل والمنصف. إن الاستثنائية الممنوحة لإسرائيل لا تؤدي إلى تآكل مصداقية الإطار القانوني الدولي فحسب، بل تقوض أيضا التوازن الدقيق بين سيادة الدولة والمسؤولية العالمية. فهو يمثل تحديا هائلا لمُثُل عالم توحده مراسي أخلاقية مشتركة وتطلعات مشتركة من أجل نسيج عالمي أكثر انسجاما وعدلا.

وبعيدا عن نطاق الخطاب القانوني المجرد، فإن التحدي الذي تشكله إسرائيل لقدسية القانون الدولي يتردد صداه عبر سجلات التاريخ، ويتردد صداه مع أصداء مظالم الماضي والنضالات المستمرة للمجتمعات المضطهدة في جميع أنحاء العالم. إن وضعها الاستثنائي لا يؤدي إلى إدامة دورة الحرمان من الحقوق فحسب، بل يهدد أيضا بتقويض أسس الثقة والتعاون التي يقوم عليها صرح السلام والاستقرار العالميين. وبالتالي فإن الحتمية تكمن في إعادة ضبط الحوارات الدبلوماسية العالمية، حيث تكون السيادة للسعي إلى تحقيق العدالة، ولا تُعفى أي دولة، بغض النظر عن أهميتها الجيوسياسية، من التزاماتها الأخلاقية بالالتزام بمبادئ القانون الدولي.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

امتحان الرياضيات: مشكلة أم أزمة؟

د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   في الأردن اعتدنا أن نختصر القضايا والأحداث، …