علي محمد فخرو –
الأول نيوز – منذ أحداث 7 أكتوبر فى فلسطين المحتلة وانكشاف الصورة الحقيقية الدامية للاحتلال الصهيونى فى رد فعله الإرهابى الهمجى فى غزة المحاصرة المدمرة تعرف العالم كله على ظاهرتين محيرتين فى المشهد الفلسطينى.
الأول هو الانحياز الكامل الرسمى لبعض دول الغرب الأوروبى ــ الأمريكى لوجهة نظر المحتل بالنسبة لما حدث ورفضه التام لرؤية أي وجهة نظر أخرى لدى الضحية الفلسطينية. فجأة نسيت تلك الجهات الرسمية الغربية الخلفية الاحتلالية الاستعمارية الصهيونية، التي امتدت عبر خمس وسبعين سنة، والتي لم تكن أحداث 7 أكتوبر إلا عارضا واحدا من عوارضها المأسوية التي ظل ذلك العالم الغربي يتجاهل وجودها تحت شتى الذرائع.
والثاني هو التعامل الانحيازي السافر من قبل إعلام بلدان تلك الحكومات تجاه أحداث 7 أكتوبر. كان واضحا أنه كان تتمة لتاريخ طويل من الانحيازات الإعلامية الغربية ضد المصالح والحقوق العربية، وذلك لكونها خاضعة دوما لإملاءات الممولين والمعلنين، ودوائر الاستخبارات الأمنية، ومختلف القوى السياسية الدولية المهيمنة، وبالطبع على رأسهم إملاءات المتبرعين لذلك الإعلام بشتى الصور.
ما فعلته تلك الحكومات وما تلاعب به ذلك الإعلام كان فضيحة أخلاقية قيمية هزت أعمق أعماق الصورة التي بناها الغرب عن نفسه عبر ثلاثة قرون. واكتشف العالم كم من الجرائم والفضائح ارتكبت وترتكب باسم شعارات الأنوار الأوروبية الشهيرة، وخلط الأوراق بصور تحيل المجرم إلى ضحية، وتجعل الضحية تبدو فى صورة مجرم، تماما كما يحدث الآن فى الساحة الفلسطينية.
لقد أصبح ذلك المشهد الغربي مكشوفا، واكتوت بناره شتى الأقطار العربية والكثير من الحراكات التحررية النضالية العربية.
لكن يبقى سؤال نحتاج أن نطرحه على أنفسنا بموضوعية وصدق مع النفس وهو: وماذا عن وسائل الإعلام العربي والأدوار التي يلعبها في المشهد الفلسطيني الحالى؟ ألم يكن موقف بعضه هو الآخر مثيرا للتساؤلات؟ ألم يتصف بعضه بغياب المهنية الموضوعية وأحيانا حتى بغياب الالتزام بالقيم الإنسانية تجاه آلام ودمار حياة الألوف فى غزة؟
ألم يكن موقف بعضه مسايرا لمواقف هذه الجهة الرسمية أو تلك، بالرغم من معرفته بأن تلك المواقف لا تكفي لتردع عنجهية جيش المحتل الصهيوني في تعامله المرعب مع السكان المدنيين في غزة؟ بل ألم يقف بعضه مسايرا حتى لمنطق قوى خارجية أجنبية عرف عنها أنها تعتبر كل مقاومة فلسطينية مشروعة ليست إلا إرهابا في وجه الكيان الصهيوني؟
وألم يكن من واجب الإعلام العربي توجيه النقد الصادق الموضوعي لأي جهة اكتفت بإصدار البيانات الاحتجاجية، التي لا يعيرها العدو الصهيوني أي اهتمام، بدلا من اتخاذ قرارات واقعية عملية تشعر ذلك العدو بأنه يواجه أمة متكاتفة متناسقة في كل ما يخص الموضوع الفلسطيني وتجعله يعرف أن أي تفاهم أو تعاون معه لن يكون قط على حساب شعب فلسطين العربي وخصوصا حقوقه الإنسانية الكاملة وكرامته فى الحرية والعدالة والرفض التام، طال الزمن أم قصر، للتفريط بشبر واحد من أرضه الفلسطينية؟
ألم يكن من واجب الإعلام العربي أن يكون صوتا للملايين من أفراد شعوب الأمة، الذين خرجوا ينادون بدعم كامل للمقاومة الفلسطينية؟ فلقد كنا ننتظر من كل إعلامنا أن يكون الصوت المعبر، سواء عن طريق النشر الكامل لأخبار كل الجرائم التي يرتكبها الجيش الصهيوني أو تقوم بها جماعات المستوطنات المسلحة الغازية، أو عن طريق سيل من المقالات الجريئة والأحاديث الجريئة التي كانت وحدها ستريح أرواح الآلاف من الأطفال الفلسطينيين ومن الأمهات الفلسطينيات الذين ماتوا وعيونهم زائغة نحو أمتهم، وعلى الأخص إعلام أمتهم، ولكن وللأسف خذلهم بعض ذلك الإعلام أى خذلان.
تحية لذاك الإعلام العربي الذي لم يخذل، وإنما كان صوتا مدويا فى معركة العرب الوجودية ضد جيش من الذين تآمروا علينا، منذ وعد بلفور المشئوم إلى يومنا الذي نعيشه حاليا.