أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – صباح غزة يختلف اليوم عن صباحات العالم جميعا، فالشمس أشرقت من بوابات الأنفاق، لا من الشرق، ونسيم الهواء عليل بفعل العزة والكرامة وجهاد الأبطال لا بفعل نسمات البحر، والحياة لم تعد إلى طبيعتها بفعل الهدنة وجهود الدبلوماسية بل بفعل وحضور وقوة أبو عبيدة ورفاقه.
لم تُسلِّم إسرائيل بالهدنة لأن نسمة إنسانية مرت على النتن ياهو، بل بفعل صمود وبطولة الأبطال طوال 48 يوما، (ما حكاية الـ 48 مع الشعب الفلسطيني) وخسائر في جنوده وصلت حسب صحافي صهيوني موثوق إلى 2850 قتيلًا و11 ألف جريح.
نتيجة خسائر وصلت في الاقتصاد إلى 48 مليار دولار (برضه 48)، وضربات صواريخ المقاومة التي استمرت في الهطل على تل أبيب (تل الربيع) حتى اللحظة الأخيرة وبزخم أكبر وأوسع وأوجع.
سَلَّمت إسرائيل بالهدنة لأن القضية والحق والعدل فرض حضوره فلسطينيا على موائد العالم، كل العالم، فمن كان يظن أن المدن والولايات الأميركية ولندن ومعظم عواصم أوروبا المتآمرة علينا ستفيض بالبشر الذين عرفوا أن الحق مع الفلسطيني وأن الاحتلال أساس الخراب والقتل والذبح.
بعد 48 يوما، لم يتمكن النتن ياهو وجيشه البربري من القضاء على حماس، ولا إطلاق سراح الأسرى، بل زادت نقمة آهاليهم عليه وعلى حكومته وسياساته، وتزايدت انتقادات السياسيين السابقين والعسكر من أوزان رؤساء الوزراء السابقين وقادة الأركان، والتحول المدهش في الرأي العام العالمي لمصلحة الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ومشاركة اليهود في العالم في مسيرات ترفض العدوان، وضيق الوقت على الإدارة الأميركية واقتراب الانتخابات الرئاسية.
وماذا بعد الهدنة، كل المؤشرات تؤكد أن الهدنة لم تأت نتيجة براعة الدبلوماسية ولا ارتفاع منسوب الإنسانية، بل جاءت نتيجة صمود المقاومة الفلسطينية الأسطوري، وجبروت الإنسان الغزي الذي أثبت أنه غير كل البشر في التحمل والإصرار لاستعادة حقوقه.
وهل ستعود النار مرة أخرى إلى القطاع، الجواب الطبيعي أن قيادة الكيان لم تشف غليلها بالانتقام الكامل من ملحمة 7 أكتوبر، القراءات تؤشر إلى أن العدوان لم ولن ينتهي، لكن النار ستهدأ وتطول أيام الهدنة أسابيع.
أما إنسانيا، فسيكتشف العالم حجم الكارثة الحقيقي التي حدثت في قطاع غزة، وهي بكل تأكيد أوسع مما ألتقطته عدسات المصورين وتقارير الإعلام، ولهذا فلن تكفي أربعة أيام لمعالجة نقص الوقود ولا إعادة إيصال الماء والكهرباء، وستتمدد أيام إطلاق الأسرى.
أما العرب العاربة، بالله عليكم يا أهالي قطاع غزة لا تسامحونا على خذلانكم وما فعله إخوانكم في العروبة وفي الدين وفي الإنسانية، ليست الأنظمة المتخاذلة وحدها، بل حتى الشعوب التي لم تخرج إلى الشوارع إلا بعد أن سالت دماؤكم غزيرة فأغرقت شاشات الفضائيات.
معكم كل الحق إن كفرتم بإخوتكم في العروبة والدين والإنسانية.
عالم يبقى صامتا عندما يتم هدم المستشفيات على رؤوس المرضى وأطرها الطبية، هذا عالم بلا إنسانية أو رحمة، فليس غريبا أن تقع فيه أم المذابح.
عالم لا يحاسب مجرمي الحرب الذين يقطعون الماء والكهرباء والطعام والدواء عن مليوني ونصف المليون هم أبناء قطاع غزة، عالم ليس لنا فيه حياة.
اكتشف الغزيون أن كل مناداتهم القديمة/ الجديدة “يا عرب.. ويا مسلمين..” صرخات في البرية، وأن ضمائر بعض الشوارع الغربية محترمة أكثر من ضمائر الشوارع العربية، وأن الحكومات الغربية التي تدعي حقوق الإنسان لا تختلف عن حكومات الدول العربية التي لا تعترف بالإنسان وحقوقه.
غزة التي لم تركع أمام غطرسة الاحتلال وآلته العسكرية يوما ، لن تركع للبطش، وتهدي تراب غزة الطهور كل يوم شهداء وكرامة وعزة.
الدايم الله….