في ظلال التحديث…الهندرة كمدخل

الأول نيوز – محمد موسى المرقطن –

 

تنبهت الدولة الأردنية، وهي على عتبات المئوية الثانية، لأهمية الذهاب لانطلاقة جديدة، وضرورة تحديث منظومة الاتصال المجتمعي لتفعيل الحياة العامة وزيادة مساحة الحركة للقوى الوطنية على اختلاف توجهاتها.

وأكد جلالة الملك هذه الرؤية غير مرة منطلقاً من إرث الدولة وثقافتها وقيمها النبيلة التي تنحاز دوماً لصالح أبنائها، فجاءت لجنة تحديث المنظومة السياسية، ورؤية التحديث الاقتصادي، واللجنة الحكومية لتحديث القطاع العام كمنطلقات لمئوية ثانية مختلفة ومتجددة تحمل معها روح العصر وتعاين تحدياته.

وقد انطلقت مسارات التحديث التي تبنى نتاجاتها جلالة الملك، وهذا التبني رتّب على الحكومة أعباء كبيرة وواجبات ضخمة جعلها مطالبة بأكثر من مسألة ملحة وذات أولوية؛ لتعطي سياقاً تنفيذياً ملموساً على شكل مشروعات عملية وبخاصة في مسار التحديث الاقتصادي الذي يشتبك بنيوياً مع المسار السياسي وتعنى به شريحة واسعة من المواطنين في ظل تزايد أعداد المعطلين عن العمل و أعداد البطالة وانحسار الطبقة الوسطى بل تلاشيها، وهنا ينبغي أن نشير إلى جهود وزارة التربية والتعليم في تطوير التعليم المهني- التقني الذي يمكّن الملتحقين فيه من كسر القيود المجتمعية والدخول في سوق العمل من جميع الاتجاهات وبكل ثقة.

وفي ذات السياق؛ فإنّ الأهم في هذه المسارات الثلاثة هو الإصلاح الإداري الذي جاء على شكل جهد حكومي يحمل عنوان: “تحديث القطاع العام” كأداة لتخدم المسارين الآخَرَين اللذَيْن يتسارعان ككرة ثلج متدحرجة حطها “سيل المطالبات المجتمعية” من علٍ ؛ فالإصلاح الإداري يعد الرافعة الحقيقية لمسارات التحديث؛ فهو الذي يعبر عن الجدية في التعاطي مع توجهات الدولة في الدخول رسمياً في ورشة عميقة لتصويب الاختلالات التي ظهرت على مدى ثلاثة عقود مضت، كانطلاقة جديدة نحو مئوية ثانية عنوانها الأبرز “الإنجاز الحقيقي” الذي يظهر مشروعاً وطنياً كبيراً مثل تطوير التعليم المهني- التقني بالمظهر الذي يحدث الأثر المطلوب عند أبناء المجتمع على اختلاف تلاوينهم السياسية والاجتماعيّة.

وفي جانب الإدارة العامة فإن عمليات إعادة الهيكلة والتحسينات الجزئية لن تفيد في ظل التوجهات الجديدة ؛ لذا فإن الاعتماد على ما يعرف بالهندرة في الإصلاح الإداري هو السبيل الأمثل للتقدم خطوة في “رؤية التحديث” التي تسعى إلى تحقيق الهدف الأسمى الذي يتلخص في تجويد الخدمات المقدمة للمواطنين.

والهندرة استراتيجية إدارية تُعْنى في إعادة تشكيل و إحداث تغييرات بنيوية للعمليات الإدارية، إذ يتم إعادة تقييم  هذه العمليات التي تتم سواء أكانت من الناحية الإدارية أم التنفيذية أم البشرية، وإعادة تصميمها بشكل يسهم في إيجاد بيئة مؤسسية جديدة سريعة الاستجابة ومواكبة للتغيّرات الميدانية وتتواءم مع أهداف وطموحات المؤسسة وبرامجها المستقبلية.

والذي سيُعزز من جودة عمليات الهندرة وأثرها لدى متلقي الخدمة كمدخل لتحقيق كفاءة عالية وتميز في الأداء، هو الاستمرارية بنفس النهج القائم على مبادئ إدارة الجودة الشاملة والذي يرتكز على محمول أساسي هو التحسين المستمر وعلى قاعدة تنفيذ العمل بالصورة المثلى من المرة الأولى مقرونا بالمساءلة القائمة على التمكين؛ لذلك يتطلب هذا الإجراء وجود خطة واضحة لإعداد القيادات وتعاقبها بصورة علمية ومنظمة تضمن استمرارية التحديث والتطوير المواكب لكل المستجدات حتى تؤتي برامج التحديث ثمارها الناضجة، ويقطفها المواطن على شكل منجزات واقعية ذات أثر مستدام.

عن Alaa

شاهد أيضاً

حين يتحوّل القانون إلى سلاح: قراءة في قرار مجلس الأمن وخطر استخدامه لتبرئة إسرائيل من جريمة الإبادة

الأول نيوز – صلاح ابو هنود مخرج وكاتب لم يعد الجدل محصورًا في بنود قرارٍ …