الدب الروسي يختال منتصراً!!

زيد ابوزيد –

 

الأول نيوز – نعم، منذ الحرب الروسية على أوكرانيا وأنا أحدث نفسي بأن حقبة جديدة بدأت تتشكل وسيعود فيها العالم الى تعدد الأقطاب مجدداً من باب الحروب والنزاعات والاقتصاديات ولن تبقى الولايات المتحدة الأمريكية متسيدة للعالم وحدها بعد سنوات من سقوط الإتحاد السوفيتي ولعب الصين لدور حذر يعتمد الاقتصاد كقوة صاعدة لفرض النفوذ مع الحذر في قضايا الصراع ، و هنا ومن هذا المشهد قد تسقط خيارات سياسية كثيرة في السياسة الدولية، ويعاد صياغة التحالفات  رويدا رويدا،  فقد افترض الكثيرون  لعقود بروز أدوار جديدة في النظام العالمي تتسيد فيه الصين او الهند المشهد دون الأخذ  بعين الاعتبار روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها استنادا لمعطيات محددة في ذلك الوقت ، لتنعطف السياسة الدولية انعطافةً حادةً مرة أخرى ليظهر من بعيد الدب الروسي متوثباً ليحتل مكانه مهمة من باب الصراعات والحروب والأزمات المتلاحقة في إفريقيا والشرق الأوسط وآخرها الحرب  الإسرائيلية الهمجية على غزة وفلسطين وكذلك صراعات باب المندب وخليج عدن وما يجري في العراق  وسوريا  ولبنان ليتدحرج الدور الروسي إلى الأمام بعكس التوقعات ككرة الثلج وهي عودة لم تشهدها روسيا منذ اعوام خلت اضمحل فيه دورها ومكانتها الدولية،  وهي مكانة بقيت فارغه منذ سقوط العراق ، وضياع افغانستان في متاهة حروب القبائل وميلشيات الوكالة عن بعد حتى استقر الأمر لطالبان مجددا.

وفي تشكل القطبية الجديدة وقبل ان تتحدد معالمها بشكل كامل وتتحدد خيارات الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وطبيعة المصالح التي تربط رأس الهرم السياسي العالمي لا بد ان ندقق في طبيعة العلاقات التي تربط رأس الهرم الاول وهو الولايات المتحدة الامريكية بقيادة الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن وروسيا القيصر بوتين، فدائماً ما كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تحركها عوامل كثيرة، وتمر بفترات من التوتر والتأزم، ولكنها لم تصل أبداً إلى مرحلة الحرب المفتوحة، وعلى عكس ذلك، فكثيراً ما كانتا تدعمان بعضهما البعض في اللحظات الحرجة من التاريخ، وهكذا كان أبان الحربين العالميتين الأولى والثانية وهو ما استرجعه الرئيسان بايدن وبوتين أكثر  من مرة دليلاً على ان المصالح بينهما ما سيحدد طبيعة الصراع والاستقطابات في ظل تخوف الولايات المتحدة الأمريكية من الصين ولكن حرب أوكرانيا غيرت قواعد اللعبة مرحليا، وكذلك في ملفات أخرى كثيرة ما كان منها مخفياً وما أعلن وأهمها ما يجري في إفريقيا والشرق الأوسط ، وتاريخيا فإن التوافق الروسي الأمريكي  لم يحول يوماً دون وقوع الخلافات بسبب التنافس وسيادة مبدأ القطب الواحد وتشكل الأحلاف لخلق واقع جديد.

وعودة الى  الماضي ففي  منتصف ثمانينيات القرن الماضي شهدت العلاقات بينهما تحسناً كبيراً، كان أوجها من حيث الدفء عندما استلم ميخائيل غورباتشوف مقاليد السلطة في الإتحاد السوفيتي وهي الفترة الذهبية التي حفلت بكل أنواع التعاون العسكري والاقتصادي، ومع انهيار الاتحاد السوفيتي على يد بيروسترايكة غورباتشوف، أكمل الرئيس الروسي بوريس يلستين هذا التعاون حتى انتهى عهده وانتهت معه العلاقات المفتوحة، فروسيا اكتشفت أنها أصبحت جزئاً من الحراك الأمريكي، وان العالم بدأ بتجاوز دورها، فانتقلت مع بوتين إلى إعادة تشكيل الدور من جديد بحثاً عن ماضٍ تليد، وأصبحنا نسمع الآن عن تعاون انتقائي بين البلدين وعن أدنى درجة في العلاقات العقود  الأخيرة، وعن العودة الى سياسة الردع والتصدي وخاصة في مناطق تعتبر حيوية للولايات المتحدة الامريكية ، بل وحتى عن العودة الى الحرب الباردة، فما السر في ذلك؟.

من المعروف أن للعلاقات الروسية الأميركية تأثيرا هائلا على النظام العالمي ومستقبله وعلى مختلف الميادين الأخرى ابتداءً من الأمن ، والطاقة والاقتصاد، وانتهاءً بقضايا انتشار السلاح النووي، وهي أدوار ترفض كثيراً من دول العالم دور الوصاية فيها كما ترفض سياسة الهيمنة والقطبية ثنائية كانت أم قطبية أحادية اللون، ولكن ذلك لا ينفي وجود ظاهرة الهيمنة الأمريكية الآن، والتنافس الروسي والصيني وغيره، والعلاقات الروسية الأمريكية أبرز محطات التأثير العالمية، والميدان النووي يشكل واحدا من الأساسية للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة، و ما مِن بلدٍ غيرِهما يمتلك مثلَ هذه الإمكانيات الكبيرة في هذا الميدان او يتحمل مثل هذه المسؤولية الكبيرة التي تعاملت معها الولايات المتحدة الأمريكية بمكيالين، أولهم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية يمتلكون وسائل إنتاج السلاح النووي وتغطي وجوده الولايات المتحدة كالكيان الصهيوني، وأعداء تطارد برامجهم كإيران وكوريا الشمالية، ودور روسي متردد يحاول أحياناً ان يتوازن، وأحياناً كان ينقاد بشكل كامل للدور الأمريكي وحسب المصالح بينهما الى أن وقعت الحرب الروسية الاوكرانية وتدخل الناتو بكل ادواته لدعم أوكرانيا  لتتغير قواعد اللعبة جذريا.

ومن الملفات الأخرى التي تحكم علاقات العملاقين الطاقة وأهم روافدها البترول، فعلى روسيا بوصفها من اكبر منتجي المحروقات في العالم، وعلى الولايات المتحدة بوصفها من اكبر مستهلكي تلك المحروقات، تقع مسؤولية عظيمة عن توفير جو سليم ومريح في العالم، ولكن هذه العلاقة تأثرت باحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق والذي تحتوي أراضيه ثاني أكبر الاحتياطيات المكتشفة وربما أكبرها على الإطلاق، وهي بذلك أصبحت ترابط وسط أكبر الاحتياطيات في الخليج العربي مشكلة تهديداً لروسيا على المستوى الاستراتيجي ، ومع بروز أزمة الملف النووي الإيراني أصبح لهذا الوجود خطره الهائل، وألقى على الوضع المحيط بإيران تغيرات ملموسة، ويرتبط ذلك بالدرجة الأولى بالتحولات التي يشهدها نهج السياسة الخارجية الأميركية قبل سنوات فيما يسمى بدعم تغييرات ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وكذلك بالتطورات في الشأن الداخلي الإيراني، وبالتغيرات الهامة التي جرت في العلاقات الروسية الأمريكية، فنهج بوش في إبقاء الإيرانيين على مستوى توتر عال، ولكن متحكم فيه دون مفاوضات مباشرة، استبدله أوباما بالحديث عن الحوار للوصول إلى حل مع إبقاء التهديد موجود، وبنفس الطريقة فيما يتعلق بروسيا فقد أبدى أوباما استعداده للتعاون معها بمراعاة مصالحها، لكنه لم يتخل عن العقلية المستفزة للكثيرين حول الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم، وان كان بصورة أخف من الماضي ، ولكن ذلك  استهدف إزالة مخاوف موسكو وحثها على المزيد من التعاون الوثيق مع واشنطن حول الملف الإيراني وهو ما حول ترامب في حملته الانتخابية ومن ثم في تصريحاته  من تغييره بالحديث عن تسيد العالم عبر تمتين جبهة امريكا الداخلية وعبر قيادة مرحلة المصالح الامريكية العليا بعيداً عن مفهوم دعم الحرية والديمقراطية وهي البدعه التي اثبتت كل الاحداث زيفها ليكون دور بايدن هو الذي أعاد الصراعات بين القطبين الى ما كانت عليه مع دخول تحالفات المصالح مع بلدان كثيرة لكل طرف ومحاولة الصين فرض نفسها كقطب ثالث في إعادة تشكيل الجغرافيا بالسياسة والاقتصاد وقضايا الصراع.

وفي إطار الضغط الأمريكي على طهران في عهد ترامب وتهديداته بعد التجربة الصاروخية البالستيه، فإن موسكو لن تسمح  بأي عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران، وربما، وفي أقصى الحالات إذا ما عادت إيران للتنازع مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنَ روسيا ستشارك كما سبق أن حدث، في عقوبات لينة وغير موجعة لإيران خاصة وان استقطاباً هاما جرى خلال الاشهر الماضية وضع سوريا وايران في حلف مع ادارة بوتين لن يسمح بتضييعه بعد مشاهدة ما احدثته السياسة الغربية بملف ليبيا ومن قبل ذلك العراق.

وهذا في واقع الأمر يؤكد ما سبق أن اقترحته روسيا التي لا ترغب في التخلي عن سوق الطاقة النووية الإيراني الواعد، كما أن روسيا حليف لإيران ولن تسلم رأسها للغرب بل على العكس من ذلك، فإذا ما حدث تطبيع علاقات إيران بالغرب ستزداد المنافسة حدة على الأسواق الإيرانية الغنية والواسعة، وسينضم إليها لاعبون جدد. وروسيا  تعلم ان للولايات المتحدة الأمريكية ولكثير من دول العالم الصناعية أطماعاً بالاقتصاد الإيراني ونفطه، خاصة وأن الغرب في كل الأحوال لن يَقْدِم في المستقبل القريب على استئناف التعاون الاقتصادي والعسكري مع إيران بحكم العلاقات المتوترة  مع ايران في ملفها النووي الشائك ومن المعلوم ان الغرب مرتبط برغبة الولايات المتحده الامريكية وهي فرصة ينتظرها الروس للاستفراد بعوائد علاقته بايران يضاف اليها تاثير ايران في العراق ولبنان وهو ما يشكل لروسيا حاضنه مهمه في منطقة استراتيجية من العالم، ولأن القضية تتمثل في أن ما يقلق الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ليس البرنامج النووي الإيراني فقط ، بل إن الأمر الرئيسي المثير لانزعاج واشنطن هو سياسة إيران الشرق أوسطية، وهو ملف ستشارك به موسكو بشكل مؤكد أيضاً لسحب الملف من أيدي واشنطن، وقد تحاول إجبار طهران على تقديم تنازلات في هذه المسالة،بدفعها لتحسين علاقاتها بجيرانها الخليجيين.

اذن، فالوضع الكلي للعلاقات الامريكية الروسية الجديده، أصبح أكثر ارتباطاً بالوضع الكلي للصراع الدولي، وفي هذا الخصوص، تشير التسريبات إلى أن واشنطن، ما تزال تدرس مدى جدوى العودة إلى التحالف مع بكين من أجل الاستعانة بها في مواجهة موسكو، وبالمقابل، فإن بكين يبدو أنها اختارت  التعاون مع موسكو عبر ضفتي المحيط ،  و في هذه الحالة، تبقى أمام هذه الدول الاصطفاف مع سياسة بوتين الاكثر ثباتاً، وهو ما يعني ان الدب بعد ما حققه من نفوذ في الشرق الاوسط وبعض دول البلطيق يعود ليتصدر هرم القطبية الجديده بامتياز  وهو دور يمكن للنظام الرسمي العربي عمل مقاربة معه لحماية مصالحه بعد مرحلة طويله من التمزق والتشرذم، وللحديث بقية لأن التاريخ لن يتوقف وإعادة تشكيل المنظومة العالمية جغرافيا وسياسيا واقتصاديا بدأت بالتعبير عن نفسها بشكل متسارع ونتمنى للعرب أن يجدوا لدولهم مكان تحت الشمس لان شعوبهم تستحق الحياة .

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

سندويتشات ذوقان ليوم الجمعة

 د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   (١) أسئلة التوجيهي تتفاوت اتجاهات الطلبة نحو …