الأول نيوز – قد يكون من القيادات الفلسطينية التي تحظى بالاجماع الوطني على نقاء مسيرته النضالية ودوره البارز في حماية الثورة الفلسطينية في ابرز مراحلها لهذا عرف بـأمير الشهداء أول الرصاص أول الحجارة..إنه الشهيد خليل الوزير أبو جهاد.
وافق اليوم ذكرى استشهاد القائد الفلسطيني، خليل الوزير “أبو جهاد”‘، الذي اغتاله عناصر من الموساد “الإسرائيلي” في بيته بتونس بتاريخ 16/4/1988، وكان قائد هذه العملية (ايهود باراك) رئيس وزراء حكومة الاحتلال سابقًا.
وحسب ما تناقلته التقارير وشهود عيان، فإن فرق “كوماندوز” وصلت فجر السادس عشر من نيسان، إلى شاطئ تونس، وتم إنزال 20 عنصرًا مدربين من قوات وحدة “سييريت ماتكال” من أربع سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين للمساندة، لتنفيذ مهمة اغتيال “أبو جهاد” على شاطئ الرواد قرب ميناء قرطاجة.
وبعد عودة “أبو جهاد” إلى منزله من اجتماعاته مع القيادات الفلسطينية، بدأ التنفيذ وإنزال الوحدة من كل مكان بسيارات أجرة، وبعد نزول أفرادها إلى الشاطئ بساعة تم توجيههم بثلاث سيارات أجرة تابعة للـ”موساد” إلى منزل الشهيد الذي يبعد خمسة كيلو مترات عن نقطة النزول.
وعند وصول “الكوماندوز” إلى المنزل الكائن في شارع (سيدي بو سعيد) انفصلت الوحدة إلى أربع خلايا، وقدر عدد المجندين لتنفيذ العملية بمئات جنود الاحتلال، وقد زودت هذه الخلايا بأحدث الأجهزة والوسائل للاغتيال، اقتحمت إحدى الخلايا البيت فجرًا، وقتلت الحارس الثاني “نبيه سليمان قريشان” وتقدمت أخرى مسرعة لغرفة الشهيد ‘أبو جهاد’، فسمع الأخير ضجة بالمنزل بعد أن كان يكتب كلماته الأخيرة على ورق كعادته ويوجهها لقادة الانتفاضة للتنفيذ.
وكانت آخر كلمة خطتها يده هي (لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة)، ورفع مسدسه وذهب ليرى ما يجري، كما روت زوجته، انتصار الوزير، وإذا بـ70 رصاصة تخترق جسده ويصبح في لحظات في عداد الشهداء ليتوج أميرًا لشهداء فلسطين.
ودفن “أبو جهاد” في العشرين من نيسان 1988 في دمشق، في مسيرة حاشدة غصت بها شوارع المدينة، بينما لم يمنع حظر التجول الذي فرضه الاحتلال جماهير الأرض الفلسطينية المحتلة من تنظيم المسيرات الرمزية وفاء للشهيد الذي اغتيل وهو يتابع ملف الانتفاضة حتى الرمق الأخير.
وحسب تقرير صحفي نقلاً عن صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية، للكاتب غونين بيرغمان تحت عنوان “الجهاد لأبو جهاد، اغتيال خليل الوزير بعد أطول مطاردة في تاريخ الاستخبارات الإسرائيلية”.
وعقب الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان عام 1982، انتقل أبو جهاد للعيش مع عائلته إلى تونس في بيت استأجرته المنظمة على بعد نحو 4 كم عن الساحل قرب أنقاض مدينة قرطاج، وتنقل هو نفسه بين الدول العربية وحاول أن يبلور من جديد المنظمة التي تلقت ضربة بالغة، وتابع العدو من جهتها مطاردة “عرض هدف”، وخرجت دورية هيئة القيادة العامة ثلاث مرات إلى دول مجاورة بقصد نصب كمائن له، وفي جميع الحالات لم يتم التعرف عليه على نحو مؤكد.
وأوضح التقرير أنه ‘في الثالث عشر من نيسان 1988، بحسب التقارير الإخبارية، بلغت مطاردة “عرض هدف” التي بدأت قبل ذلك بسنوات بعيدة، إلى مرحلتها الأخيرة وكان كل شيء تقريبا مُعدا للانطلاق، بيد أنه آنذاك وبحسب ما نشر من الأنباء جاءت إلى أبو جهاد مكالمة هاتفية من واحد من رجال منظمته، قال له أنه تلقى تحذيرا من “أصدقاء في باريس” من أن “الإسرائيليين” يخططون لشيء ما.
وفي فجر السادس عشر من نيسان وصلت فرق ‘الكوماندوز’ بالزوارق المطاطية إلى شاطئ تونس وانتقلت وفق ترتيبات معده سابقاً إلى ضاحية سيدي بوسعيد، حيث يقيم أبو جهاد في دائرة متوسطة هادئة وهناك انتظرت عودته في منتصف الليل، وقد انقسمت إلى مجموعات اختبأ بعضها بين الأشجار للحماية والمراقبة وبعد ساعة من وصول أبو جهاد تقدم أفراد في شكل مجموعات صغيرة نحو المنزل ومحيطه فتم تفجير أبواب المدخل في مقدمة المنزل دون ضجة لاستعمالهم مواد متفجرة حديثة غير معروفة من قبل.
وكان دولة العدو نفت مسؤولياتها عن عملية اغتيال أبو جهاد، حيث سُئل رئيس حكومتها في حينه اسحق شامير عن مشاركة “دولته” في عملية الاغتيال، بعد العملية بيوم، فأجاب بوجه مكفهر: «سمعت عن هذا في المذياع»، رغم ما أعلنه رئيس “أمان” أمنون ليبكين شاحك في مقابلة صحفية في آذار 1988 بعد أيام معدودة من عملية “حافلة الأمهات”، قال “إن من يستعمل “الإرهاب” هو هدف يستحق الاغتيال، وكل من يستعمل “الإرهاب” علينا.. يجب أن يكون هدفا، ويبدو أن أبو جهاد فاته ذلك العدد“.
ومن العمليات العسكرية التي خطط لها أبو جهاد، عملية نسف خزان زوهر عام 1955، وعملية نسف خط أنابيب المياه (نفق عيلبون) عام 1965، وعملية فندق (سافوي) في تل أبيب و قتل 10 إسرائيليين عام 1975، وعملية انفجار الشاحنة المفخخة في القدس عام 1975، عملية قتل ‘البرت ليفي’ كبير خبراء المتفجرات ومساعده في نابلس عام 1976، إضافة إلى عملية دلال المغربي التي قتل فيها أكثر من 37 إسرائيليا عام 1978، وعملية قصف ميناء ايلات عام 1979، وقصف المستوطنات الشمالية بالكاتيوشا عام 1981، وأسر 8 جنود إسرائيليين في لبنان ومبادلتهم بـ 5000 معتقل لبناني وفلسطيني و 100 من معتقلي الأرض المحتلة عام 1982، وخطط لاقتحام وتفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، الأمر الذي أدى إلى مصرع 76 ضابطا و جنديا بينهم 12 ضابط يحملون رتبا رفيعة عام 1982، إلى جانب إدارة حرب الاستنزاف من 1982 إلى 1984 في جنوب لبنان، وعملية مفاعل ديمونة عام 1988 والتي كانت السبب الرئيسي لاغتياله.
يذكر أن خليل إبراهيم محمود الوزير (أبو جهاد)، ولد عام 1935 في مدينة الرملة، وغادرها إلى غزة إثر حرب 1948 مع أفراد عائلته، ودرس في جامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، وبعدها توجه إلى الكويت وظل بها حتى عام 1963، وهناك تعرف على ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة فتح.
في عام 1963 غادر الكويت إلى الجزائر حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب لحركة فتح وتولى مسؤولية ذلك المكتب، كما حصل خلال هذه المدة على إذن من السلطات بالسماح لكوادر الحركة بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب للفلسطينيين الموجودين في الجزائر.
غادر أبو جهاد الجزائر عام 1965 إلى دمشق حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، كما شارك في حرب 1967 وقام بتوجيه عمليات عسكرية ضد جيش العدو الإسرائيلي في منطقة الجليل الأعلى، وتولى المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة.
وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 1976 – 1982 عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982 والتي استمرت 88 يوماً خلال اجتياح العدو للبنان.
تسلم أبو جهاد خلال حياته مواقع قيادية عدة، كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني خلال معظم دوراته، وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب القائد العام لقوات الثورة، كما يعتبر مهندس الانتفاضة وواحداً من أشد القادة المتحمسين لها.