الأول نيوز – الباحث في التراث الأردني رائد عبدالرحمن حجازي يتحدث عن “احياء التراث الأردني من خلال الأدب الساخر”، في الندوة التي نظمها منتدى الرواد الكبار أول من أمس، مؤكدا على أهمية احياء التراث الأردني من اجل انعاش ذاكرة الاجيال.
الندوة التي ادارتها المستشارة الثقافية القاصة سحر ملص، وحضرها جمهور من المهتمين بالأدب الساخر والتراث، ومديرة المنتدى هيفاء البشير التي قالت نلتقي في هذا اللقاء به الأديب الباحث في التراث الأستاذ رائد عبد الرحمن حجازي القادم من عروس الشمال يحمل في جيوبه قمحاً وعسلاً من خوابي الأجداد لينثره هنا على رؤوس جبال عمان السبعة وتلالها، لافتة إلى أن الإنسان عاش على هذه الأرض يستقي من تجارب الماضي محافظاً على كنوزها، ويستفيد من حكمة الأجداد يتوكأ على التراث، وينسج حرير مستقبله من حكاياته وعبره، إن ماضي الأمم وتراثها لهو البذرة الأولى لصنع حضارتها وها نحن في هذا العصر نرى معركة شرسة يقودها الصهاينة لطمس معالم التراث الفلسطيني في أرضهم ومحو تاريخهم زوراً وبهتاناً.
الباحث رائد عبدالرحمن حجازي تحدث عن مفهوم التراث بشقيه المادي والمعنوي، وضرورة تشجيع الآخرين على إحياء التراث، من اجل تنشيط الذاكرة التراثية عند الكبار ونقلها للأبناء وعدم التنمر على الجيل الجديد كونه لم يتعامل مع كثير من الأدوات التراثية لذلك يجب الأخذ بأيديهم وتعريفهم بتراثنا وبمفرداته والمحافظة عليها.
كما تحدث حجازي عن عملية الدمج بين الأدب الساخر والتراث وهذا الدمج ليس جديدا على الشعوب ولكن هناك عوامل وأساليب يجب أن تتوفر في مثل هذا الدمج لكي تقنع المتلقي بالفكرة وبطريقة سلسة وغير منفرة، كما قرأ بعضاً من كتاباته والتي توزعت بين مجموعة من مؤلفاته، ثم قرأ مجموعة من مقالته منها “المكدوس فاق غزو الفضاء، محمود الجُعمُكّة”، تغيير المختار، غرفة الغولة، الصّاع”.
ومن هذه المقالات قرأ مقال بعنوان “المكدوس فاق غزو الفضاء”، وفيه يتحدث عن الاستاذ الامريكي الذي دعاه لزيارته في المنزل يقول: قررت في أحد الأيام “أن أعزمه على الفطور في منزلي كونه كان قبل عدة أيام قام بدفع ثمن ساندويشة حمص وفلافل عني. المهم يا طويلين العمر وبعد الجلوس متربعين على مقعدتينا حول طبلية الأكل (طاولة قصيرة الأرجل) والتي لاقت استحسانه واستغرابه منها، وأذكر يومها أنه سألني هل هذه الطاولة من اليابان؟ فقلت له لا إنها تفصيل محلي عند عزوز النجار.
بعد ذلك بدأت تشكيلة الصحون تأتي تباعاً من قسم التزويد في الغرفة المجاورة، وتنوعت ما بين الدُقة والزيت واللبنة المدحبرة والمخلل والمكدوس. الطريف بالأمرأنه كان يتعجب من محتوى كل صحن، ليسأل مباشرة عما فيه وعن طريقة عمله. فقد شرحت له عن الدُقة وكيفية تجفيف ورق الزعتر، كما وضحت له طريقة شخل (تصفية) الرايب ودحبرة اللبنة بالإضافة لطوشة البيظة للمخلل. والملفت للنظر أنه كان يُطلق صيحات التعجب في كل مرة أشرح له عن أحد الأشياء، فكان يقول كلمة (واووو).هم وصلنا لعند المكدوس وهنا سألني عن الإسم فقلت له : هاظ يا دكتور, زي ما في عندكوا (Mc Donalds) إحنا عنا (Mc Doos) . الخازوق أنه سألني عن طريقة صنعه .
فوراً اعتذرت منه متظاهراً بأنني سأحضر إبريق الشاي لكي استفسر من أم العيال عن خطوات عمل المكدوس، حتى لا أبدو جاهلاً في نظره .
فعلاً سألت أم العيال وعُدت ومعي الإجابة وقلت له : إسمع يا طويل العمر أول إشي بنقيم الخازوق اللي براس البيتنجانة وبنخلي القُمعة، وبعدين بنسلقه مع وضع صينية وعليها ماعون خفيف مشان ما تطيش ولا حبة، لأنه اذا طاشت بتصير سودا, وبعدين بنحطه بمي باردة، وبعد هيك بنملحه وبنصفيه من المي شيلة بيلة لثاني يوم بواسطة بلوكتين أم الخمسطعش وجرة غاز فوقيهن، وبعدين بنحشيهن بالجوز والذي منه مع شيل القُمعة، وبعدين بنصفطهن بمرطبان وبنطبه على ثُمة لثاني يوم، وبعدين بنحط فوقيه زيت زيتون وبنتركه اسبوعين زمان تا تروح المرارة منه… ها وشّو قُلت ؟
طبعاً الواوات عنده لم تنقطع بل كانت تزداد نبرتها وحدتها بعد كل عملية من العمليات المكدوسية. عندها كاد أن يُغمى عليه لِما في هذه العملية من تعقيدات فنية. أما أنا فنفد صبري وقلت له : يا دكتور قظيتها … واوو…. واوو . أي مهو إنتوا صنعتوا مركبة فضائية وصلت للمريخ أي جاي تتعقد من شوية مكدوس !
بتدروا شو جاوبني؟ حتشالي بالعكس يا صديقي فصنع المركبة الفضائية سهل جداً فالعملية لا تتعدى شوية دوائر الكترونية على شوية كهربا وشوية برمجيات. أما خطوات عمل المكدوس فهي عجيبة غريبة ولا تخطر على بال أحد .
والله بعدها محسوبكوا تنشوش (انتعشت) وعرشت كوننا نصنع شيئاً يفوق صناعة المركبات الفضائية .
لكن بالله عليكوا تخيلوا معي لو أني التقي بهاظا الدكتور هالأيام، وأشرحله عن ألية تسعيرة المحروقات الشهرية عندنا، شو بده يصير فيه؟ أي إذا من طريقة عمل المكدوس راح ما يغيّب، صدقوني بجوز يروح فيها .ملاحظة : تمت الترجمة برعاية التسعيرة الشهرية للمكدوس”.
كما قرأ “تغيير المختار”، يتحدث فيه عن الدوّاج خنيفر الذي يأتي في موعده الشهري إلى قرية المختار مثقال ليبيع بضاعته المتنوعة، وها هو يقود حماره الأشهب والمزركش بإتجاه ساحة البيدر منتظراً قدوم زبائنه. وما هي إلا لحظات وإذ بالمختار مثقال قد جاء مهلّياً ومُرحّباً
المختار : هلا بخنيفر عساك بخير
خنيفر : الحمد لله يا أبو طايل، وشلونكوا وشلون أهل القرية ؟
المختار بخير والحمد لله، ناقصنا طلتك البهية، ها وشو علوم القُرى إللي حولينا يا خنيفر؟
خنيفر: والله يا مختار علوم مهي زينة وما بتسر الخاطر .
مثقال: ئي .. ئي .. خير وشّو صاير يا خنيفر خير إن شا الله !
خنيفر : سمعت طراطيش حتشي، قال بقول بقولوا إنه جاي فرمان من الباب العالي بقول بدهم يغييروا المخاتير، وخوف الله أنت منهم .
تظاهر المختار أمام خنيفر بعدم الإكتراث بهذا الخبر وقال له إللي من الله يا مأحلاه، وأدار ظهره متوجهاً لبيته واختتمت الأمسية بمشاركة الحضور، بالحديث عن بعض الحكايا التراثية التي تخص كلاً منهم، فتحدث الكاتب محمد أزوقة عن حكاية شركسية، وكذلك الدكتور ذوقان عبيدات عن حكايا من اربد والباحث نورس الرجال عن حكايا شامية والكاتبة زهرية الصعوب عن حكايا كركية وغيرهم من المشاركين .