أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد لا تخفى على أحد، وهناك مفاصل نتيجة الارتفاع الكبير في المديونية، والانكماش الاقتصادي، والتراجع المذهل في السياحة بسبب الأوضاع الكارثية في غزة، على الدولة الاردنية التعامل معها بكل دقة قبل أن تتفاقم الأوضاع الاقتصادية صعوبة أكثر في البلاد.
ما يحتاجه الأردنيون هذه الأيام الصعبة مصداقية عالية في الخطاب الرسمي، وأراهن أن هذه المصداقية ستكون انعكاساتها أكثر إيجابية من عشرات التصريحات والمؤتمرات الصحافية التي يعقدها صناع القرار الاقتصادي، في محاولة لامتصاص الغضب من ارتفاعات متوقعة في أسعار الكهرباء وغيرها من أساسيات حياة الأردنيين.
فلو جاء الحديث الرسمي، عن أن السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومات منذ عشرين عاما مبنية على تفاهمات لا يمكن لنا أن نتخلى عنها مع صندوق النقد والبنك الدوليين، ومن خلالها نستطيع أن نحصل على قروض، لكان وقع الحديث أسهل على قلوب الأردنيين.
نحن في زمن أردني مثقل بالتحديات الكبرى، وفيه يبحث أصحاب القرار السياسي عن كلمة السرّ التي ستفتح باب التغيير، وتلبية متطلبات برنامج إصلاحي بات ضروريًا وملحًا، ولا يحتمل التأجيل، من دون دفع تكاليف الانتقال من مرحلة تأريخية إلى أخرى.
ليس بالضرورة أن يحمل قرار تغيير الحكومات معاني تغيير السياسات الرسمية القائمة التي أثقلت كواهل المواطنين، وربّما أفقدتهم رشدهم، وتبنّي سياسات إصلاحية جادّة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية جميعها.
لنعترف أن ما تمّ تقديمه من إصلاحات في الفترة السابقة جاء تحت ضغط القوى السياسية ومطالبها في تعديل عدد من القوانين والتشريعات الناظمة للحياة العامة، ولكن من دون أن تترافق مفاصل الإصلاح السياسي مع نظم وتشريعات اقتصادية ذات دلالات اجتماعية ومعيشية، تشكّل همًا وكربًا يوميًا لآلاف العائلات الأردنية، وبهذا الواقع بقيت السياسات والتشريعات الاقتصادية على حالها، وبقي اللغم في حضن الحكومة، لا أحد يعلم متى سينفجر.
ينقص الجهات المعنية في رسم الاستراتيجيات وصنع القرار مراجعة شاملة للتجربة في ضوء المستجدات التي فرضها الشارع الأردني، ونحن نقترب من موعد الانتخابات النيابية وفيها سترتفع الأصوات المنتقدة للأوضاع الاقتصادية عموما، وأوضاع الحريات العامة خصوصا.
إن غياب هذا العامل أفقد صناع القرار وضع استراتيجيات واضحة للتغيير في إطار منظومة متكاملة، وآليات عمل محددة وواضحة، وظهر بوضوح ضعف المجسات التي تلتقط ردود فعل الشارع، لهذا نخرج من أزمة لندخل في أخرى.
كلمة السرّ الدقيقة التي لا تخطئ هي اعتماد استراتيجية جادّة للإصلاح السياسي والاقتصادي المعيشي والمباشر، فالفئات الفقيرة التي ظلمت بالجشع والفساد ونهب المال العام وغياب الحريات هي التي يجب أن تتلمّس بأيديها منافع الإصلاح، لا أن تدفع ثمنه مرّتين.
الجرأة والشجاعة تقتضيان دفع مستحقات الإصلاح السياسي والاقتصادي من جيوب ومصالح الفئات التي أوصلت البلاد إلى حوافّ المديونية المفزعة، لا الالتفاف على فقراء البلاد من جديد.
الدايم الله…