الأول نيوز – أمير مخول
- أقصى درجات التوتر هو الحالة المثلى لدى نتنياهو
- التوترات داخل الائتلاف الحاكم بين الحرديم والصهيونية الدينية هي بيئة مريحة لنتنياهو
- تقارب لبيد ودرعي بعد قطيعة عشر سنوات، هو مؤشر لاحتمالية شبكة امان لحكومة نتنياهو تدفعه نحو الصفقة
الحدث السياسي الاسرائيلي الأكثر لفتا للانظار عشية انطلاق الوفد الامني نحو الدوحة، هو التقارب المفاجيء بين لبيد رئيس المعارضة، وارييه درعي رئيس حزب شاس الديني الحريدي، وذلك بعد قطيعة دامت عشر سنوات. يأتي التقارب بين الاثنين بكل ما يمثلانه، في اعقاب ردة الفعب الغاضبة على اقتحام الوزيرين بن غفير ووارسرلوف للمسجد الاقصى 13/8 واعلان بن غفير هدفه بأنهاء “الوضع القائم” في الحرم القدسي الشريف وبأحقية اليهود في اقامة الطقوس الدينية فيه. كان الصوت الاكثر وضوحا في مناهضة اقتحام بن غفير هو صوت المتدينين الحرديم (شاس ويهود التوراة)، والتوجه الى المرجعيات الدينية للبتّ فيما اذا كان بالامكان مواصلة العضوية في الائتلاف الحاكم الذي يشارك فيه بن غفير.
لبيد ودرعي من الداعمين للصفقة ويسعيان اليها بمثابرة. وقد تزامن لقاؤهما مع اتصالات مكثفة مع كل منهما من قبل مسؤولين كبار في الادارة الامريكية لضمان ابرام نتنياهو للصفقة سعيا لمنع التدهور نحو حرب اقليمية وحصريا على الجبهة الشمالية بين اسرائيل وحزب الله، ذات الابعاد الدولية.
العلاقات بين حزبي الحرديم وبين المعسكر الرسمي برئاسة غانتس هي علاقات وثيقة ومبنية على ثقة متبادلة، في حين كان التوتر مع رئيس المعارضة يحول دون التنسيق بين شاس والمعارضة. من شأن التقارب بين لبيد ودرعي ان يفتح الباب امام المنحى المتسع بين الحريديم في عدم الالتزام مستقبلا بحكومة برئاسة الليكود او نتنياهو، بل وفقا للاستطلاعات لن تتمكن المعارضة الحالية من كسب اغلبية في الكنيست في الانتخابات القادمة من دون انتقال الحرديم الى دعم المعارضة الحالية، اذ يحتاج اي ائتلاف الى 61 نائبا صهيونيا فما فوق.
الحوار بين لبيد ودرعي هو ابعد من مسألة إفشال الائتلاف (14/8) في تمرير مقترحات قانون تراجع عنها بعد ان فقد الاغلبية في التصويت ولاول مرة منذ الحرب. انه بداية تعاون مدعوم امريكيا وبقوة، ويبدو ان ادارة بايدن عادت لتراهن على حزب يش عتيد (لبيد) بعد التراجع الكبير في شعبية حزب غانتس.
اولوية بايدن وادارته هي ضمان ابرام الصفقة ومن خلالها تبريد معظم الجبهات المستعرة. ولم يكن من قبيل الصدفة ان تهاجم ادارة بايدن الوزير سموتريتش وتصريحاته بشأن تجويع الغزيين، ومن ثم ادانة حادة لاقتحام بن غفير للمسجد الاقصى. يضاف اليه التسريبات بامكانية فرض اجراءات عقابية على وزيري الصهيونية الدينية والقوة اليهودية.
في المقابل فإن الصراع تامكشوف بين تياري الصهيونية الدينية والمتدينين الحرديم دفع الى حالة توتر داخل حزب الليكود وتتسع حلقة الاصوات الداعية الى التخلص من الشراكة مع بن غفير وسموتريتش، في حال كانت بدائل. درعي الذي استقال من “المطبخ الامني المصغر” بعد استقالة غانتس وايزنكوت، معني بحكومة وحدة قومية مع المعارضة، والتقارب مع لبيد، فيه مؤشرات لمسعى من هذا القبيل بأن يلتزم لبيد بتوفير شبكة امان برلمانية لنتنياهو في حال ابرام الصفقة على ان يقوم الاخير بدفع بن غفير وسموتريتش الى خارج الائتلاف وتجريدهما من القوة الهائلة التي يتمتعان بها واحد في وزارة المالية ووزارة الامن والاخر في وزارة الامن القومي، وهو ما شأنه ان يكون مغريا لنتنياهو لان شعبيته ستتسع ويضمن استدامة حكمه سنة او اكثر للامام.
بدورها، يبدو ان ادارة بايدن توصلت الى قناعة بحكومة وحدة قومية من دون بن غفير وسموتريتش، هي البديل الوحيد الممكن للحكومة الحالية والتي من الممكن ان تتماشى مع الاولويات الامريكية بصدد غزة وبصدد المنطقة. ثم ان هذه الصيغة من شأنها ان تناسب طموحات نتنياهو، وهو المستفيد من التوتر داخل الائتلاف بين الحرديم والصهيونية الدينية والتي تقلل من وزن الأخيرين.
أمنيا، ووفقا للصلاحيات الموسعة نسبيا والتي منحها نتنياهو لاعضاء الوفد الامني لمفاوضات الصفقة برئاسة رئيس الموساد، فقد أكد اعضاء الوفد بأنه بإمكانهم احراز تقدم.
كما ان تصريحات قائد الاركان الاخيرة 14/8 من منطقة محور فيلادلفيا تشير الى تقارب وجهات النظر وتكامل الادوار بين المستويين السياسي والامني، بعد ان اكد ان الجيش يوفر للحكومة المرونة في اتخاذ اي قرار ترتئيه ليقوم الجيش بتطبيقه ميدانيا، سواء اكان انسحابا من المحور ام انسحابا جزئيا ام العودة للسيطرة متى اقتضى الامر، وفي معظم الحالات القدرة على منع تشغيل اية انفاق بين سيناء وغزة وفقا له. هذه الصيغة من الجيش هي التفافية ايضا على الصراع الشخصي بين رئيس الوزراء ووزير الامن.
تحظى اسرائيل بأحدث ترسانة امريكية وبغطاء حربي الاضخم في التاريخ، الا انها تخسر استراتيجيا. او كما تشير سيما شاين الباحثة في معهد درسات الامن القومي ورئيسة شعبة الابحاث في الموساد سابقا، بأن الانطباع من الاسناد الحربي الامريكي والغربي لاسرائيل هو رسالة بأن اسرائيل غير قادرة ذاتيا على المواجهة، بل “لم تنتصر حتى على حماس” ولهذه دلالات استراتيجية توجه ايران مستقبلا بأخذ هذا المعطى في معادلات الردع. كما ويدعم موقفها ألوف بن محرر هارتس الذي يشير الى اخفاق اسرائيل الاستراتيجي في عدم تتبع المتغيرات في السياسة الايرانية وقرار الاخيرة بالرد مباشرة على الاستفزازات الاسرائيلية في شهر نيسان/ابريل ودونما اللجوء الى حلفائها في المنطقة او عدم الرد. كما ويربط الكاتب بين قرار الولايات المتحدة تزويد اسرائيل بترسانة عظمى من احداث ما تملك وبمقدار 20 بليون دولار، وفي المقابل فإن رسالة بايدن الى نتنياهو وفقا للكاتب تقول “أنقذ حيفا وتل ابيب من الخراب، وتتلقى بالمقابل عددا من المخطوفين ورزمة مساعدات لاعادة ترميم الجيش، وفي المقابل عليك الانسحاب من غزة واطلاق سراح قيادات الاسرى الفلسطينيين وتتيح للسنوار ان يقول بانه انتصر”.
وفقا لهذه التقديرات فإن نتنياهو يستفيد سياسيا من أقصى درجات التوتر والقلق على الجبهة الشمالية واقليميا، لكن على ان لا تنزلق الى حرب شاملة يتحفظ بشأنها عسكريا واستراتيجيا واقتصاديا واجتماعيا ثم انها لن تحظى بإجماع اسرائيلي لكونها ما كانت ستحصل لو أبرمت الصفقة من قبل. كما ان التواجد العسكري الامريكي غير المسبوق لـ”حماية اسرائيل”، مصحوب بضغوطات مكثفة للغاية على حكومة نتنياهو من اجل ابرام الصفقة، ومع دخول المتغير اللبناني والايراني بعد عمليتي الاغتيال في الضاحية وطهران اصبحت الصفقة فعليا التي تريدها ادارة بايدن اوسع من حدود تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار وكل المنصوص عليه في الاطار، بل باتت مقايضة كبرى استراتيجية اي عدم الرد من حزب الله وايران او تخفيف حدة الرد، مقابل التزام اسرائيل بالصفقة، وهو ما اشار اليه غداة عمليتي الاغتيال استاذ القانون رائف زريق بأن اضطرار اسرائيل الى ابرام الصفقة بسبب هذه المتغيرات هو انجاز استراتيجي قد يفوق مفعول الرد العسكري بحد ذاته. في حال عوّق نتنياهو الصفقة ستكون احتمالية حرب شاملة على الجبهة الشمالية واردة اكثر من اي وقت مضى وحتى لو لا زالت مستبعدة.
للخلاصة: امكانية انجاز الصفقة كبيرة وفي حال لم يتم تعويقها من قبل نتنياهو فمن المتوقع ان تخرج الى حيز التنفيذ قريبا. ثم ان المتغيرات في الساحة السياسية الحزبية الاسرائيلية جدية، وقد تكون الارضية لحسم القرار لصالح الصفقة.
دخول المتغير الاقليمي بقوة واحتمالية الرد من حزب الله ومن ايران، واحتمالية التراجع سواء كليا او عن حدته في حال ابرام صفقة، يجعل احتمالية الصفقة اكبر. الا انه كما في السياسة وحصريا في اسرائيل وفي ظل حكومة نتنياهو فلا شيء يمكن اعتباره مفروغا منه ما لم ينجز على ارض الواقع.
(الباحث في مركز تقدم للسياسات)