الأول نيوز – د. محمد موسى المرقطن –
لم يكن في البال أن أخوض في هذه المعمعة الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول “المناهج” المطورة التي صدرت عن المركز الوطني للمناهج، فهو الأقدر والأجدر بالرد على التعليقات والملحوظات التي وردت من الميدان التربوي وأولياء الأمور والطلبة، مع التأكيد أن ليس كل ما نُشر بالصحيح، وبخاصة “سردية” تعمد حذف آيات وموضوعات دينية وإقصاء رموز وطنية من الكتب المدرسية، فهذا “حكم مسبق” وتعميم غير علمي ولا يعتد به، وبخاصة في ظل وجود الوزير “المحافظة” الذي يشهد له بحرصه على الثوابت الوطنية والقومية الراسخة في مجتمعنا الأردني العزيز.
مهما يكن من أمر، فقد رغب إليّ نفر غير قليل من الزملاء والأصدقاء وأولياء الأمور لمناقشة هذه الطروحات الواردة حول الكتب المدرسية الجديدة والهدف منها؛ فصدعت لرغبتهم وعكفت على أن أقدّم سهمًا في هذا النقاش الدائر بالرغم من عدم معرفتي بهوية أولئك الذين شغلوا المجتمع بتعليقاتهم ونكاتهم ونوادرهم التي أشعلت الفضاء الافتراضي، وعليه ينبغي أن نقف على بعض المعلومات المهمة، وهي:
أولًا: ينبغي أن نفرق بين الكتاب المدرسي والمنهاج، فالمرجع المختص يغيّر الكتاب المدرسي بما يتوافق مع الإطار العام للمناهج الذي يعد الأساس والمحرك في أي تعديل بالإضافة أوالحذف أو التطوير، ولا يغيّر المنهاج بل يطوّره نتيجة لعوامل متنوعة، أهمها: التطور المتسارع في المعارف والعلوم والثورة فوق العارمة في المعلومات والتقدم التقني، والتغيّرات الاجتماعية والثقافية والميتافيزيقية في المجتمع.
ثانيًا: المنهاج بمفهومه الحديث يعني مجموع الخبرات التي يتعرض لها المتعلم سواء أكان داخل المدرسة أم خارجها، وتحت إشرافها، وهذه الخبرات تنعكس على المتعلم بشكل إيجابي إذا كانت تضمن التوازن في شخصيته وتلبي احتياجاته في مختلف المجالات والعلوم والمعارف والمهارات والقيم والاتجاهات.
ثالثًا: المناهج يتم تصميمها وفق أسس علمية متعارف عليها، وهي: الأساس المعرفي، الأساس الفلسفي، الأساس الاجتماعي، والأساس النفسي، وهذه الأسس تسير بشكل متوازن مع المتعلم خلال مسيرة تعلمه يكون الهدف منها أن تحقق له ذاته، وتبني فيه الإنسان المتزن والواعي والمنفتح غير المتعصب أو المنغلق على ذاته.
رابعًا: المنهاج يتكون من عناصر متنوعة، منها: الخبرات، وهي التي يتعرض لها المتعلم أثناء عملية التعلم وتسهم في تشكيله وتعبّر عمّا يمور في داخله من ميول ورغبات واتجاهات، وهي خبرات متنوعة تتوزع على ثلاثة ضروب، هي: خبرات مباشرة، خبرات غير مباشرة، وخبرات مصاحبة، والكتاب المدرسي المعد لأي منهاج ينبغي أن يتضمن أنشطة تعليمية تنقل للمتعلم خبرات مباشرة تحاكي جانبًا من جوانب شخصيته، فقد تستكشف المدرسة لدى الطلبة مواهب متنوعة يمكن تعزيزها بشكل صريح وتذهب بالمتعلم بمسار يوافق ميوله ورغباته ومقدرته الحقيقية التي يستطيع أن يبدع فيها.
أما فيما يخص المعارف والمهارات الفنية والرياضية؛ فجميعنا يعلم أن المتعلم كان يتعرض لهذه الخبرات وما يزال على هيئة خبرات غير مباشرة أو مصاحبة من خلال المعلم أوالأهل أوالمجتمع أوالبيئة المحيطة به، وهي ليست بالغريبة عليه، فمن منا لم يسمع من ذويه أو من بيئته عن الرموز الفنية والرياضية وأصحاب الروايات الشعبية المستقرة في الذاكرة الجمعية لأبناء المجتمع، والتي تعد مصادر جذب للمتعلم وزيادة دافعتيه تجاه التعلم، وكذلك الحال في استراتيجيات التدريس التي هي،أيضًا، من عناصر المنهج، فقد يستخدم المعلم استراتيجية التعلم باللعب، فهو لا يقصد اللعب بذاته.
وخلاصة القول: إنني على يقين وثقة باحترافية فرق العمل الوطنية العاملة في المناهج، وأنها ستقوم بدورها الرائد في تطبيق القواعد العلمية لسلسلة خطوات “تجريب المناهج” وتعديل ما حقّه التعديل أو التصويب أو التعزيز؛ لما فيه خير أبنائنا ومجتمعنا الأردني الكريم.