الاول نيوز – جمال الخطيب
باحث ومدير مركز البديل للدراسات والأبحاث
شكلت قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في العاصمة نيودلهي أهمية خاصة لدى الخبراء ، والتي شارك فيها عدد من قادة العالم، وناقشت في حينه قضايا عالمية مثل التغير المناخي وتعزيز التعاون الاقتصادي والتحول الرقمي ، وكذلك التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد العالمية والتنمية الاقتصادية .
أبرز القضايا التي خلصت اليها القمة ،توقيع مذكرة تفاهم بين كل من أمريكا والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والإتحاد الأوروبي ، وتهدف المذكرة الى إنشاء ممر اقتصادي استراتيجي يربط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ، والذي من المتوقع أن يصبح واحدا من أطول الممرات التجارية العالمية .
ممر متعدد الجوانب :
المشروع يتضمن بناء شبكة متكاملة من البنية التحتية ، تشمل خطوطا حديثة للسكك الحديدية وأنابيب متطورة لنقل الطاقة ، بالإضافة الى كابلات بحرية متخصصة للنقل تتجاوز الجوانب الاقتصادية ، كما يشمل المشروع تطوير وإعادة تأهيل مجموعة من الموانئ المحورية التي ستشكل جزءا أساسيا من الممر التجاري الذي سيسهم في تعزيز حركة التجارة الدولية والتكامل الاقتصادي الإقليمي والعالمي، وتحفيز النمو الاقتصادي وتسهيل حركة البضائع بين القارات الثلاث .
اليوم تعتبر الهند سوقا ناشئة ومهمة لصادرات الشرق الأوسط بفضل قاعدتها الاستهلاكية والصناعية الواسعة ، ويلعب العالم العربي وخاصة دول مثل الأردن والإمارات دورا مهما كشركاء في تعزيز السلام والازدهار الإقليمي كما ترى نيودلهي . ويتألف المشروع من ممرين رئيسيين : ألأول يربط بين الهند والخليج العربي ، وآخر يربط دول الخليج بأوروبا ، وكلا الممرين مدعومان ببنية تحتية قوية تشمل الموانئ والسكك والطرق ، خاصة في ظل تميز الهند بشبكة حديدية واسعة ومتكاملة وموانئ ضخمة .
الأبعاد السياسية :
من الواضح أن المشروع يتجاوز الأبعاد الاقتصادية ليحمل أهدافا إستراتيجية أوسع ، فهو يعد ردا أمريكيا على مبادرة الحزام والطريق الصيني ، التي ينظر اليها في الغرب على أنها وسيلة لتعزيز النفوذ الجيوسياسي للصين في آسيا وأفريقيا وأوروبا ، كما أن المشروع يهدف الى ترسيخ منطقة الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ أمريكية في مواجهة محاولات الصين للتوسع في المنطقة ، كما يسعى لدمج الإسرائيلي بشكل أعمق في السياق العربي وتعزيز موقع الهند في مواجهة التحديات التي تفرضها الصين ، وبالتالي يبدو أن المشروع يطمح الى تحقيق أهداف سياسية إقليمية وعالمية . الجدير بالذكر أن الممر أثار جدلا حيث أبدت بعض الدول تفاؤلا ، فيما أبدت أخرى قلقا وهواجس لاستثنائها من جغرافيا الممر كما هو الحال لكل من تركيا وايران .
يذكر المشروع الطموح بالأفكار التي طرحها بيتر فرنكوبان في كتابه ” طريق الحرير تاريخ جديد للعالم “، حيث يبرز دور طرق التجارة الدولية القديمة في تبادل الأفكار والثقافات الى جانب نقل السلع ، فكان طريق الحرير القديم حاسما في إعادة تشكيل الحضارات وتحفيز التقدم التكنولوجي وإعادة توجيه مراكز القوى .