الأول نيوز – محمد قاسم عابورة
من المفارقات المثيرة في عالمنا العربي ظاهرة غريبة يمكن وصفها بـحالة “التسامي” في الجيوش العربية ، ولا يُقصد هنا التسامي بمعناه اللغوي المرتبط بالرفعة والسمو، بل الظاهرة الفيزيائية التي تشير إلى انتقال المادة مباشرة من الحالة الصلبة إلى الغازية متجاوزة الحالة السائلة ، إلا أن الأمر، بدلاً من كونه ظاهرة فيزيائية ، يبدو أنه تسلل إلى قلب المؤسسات العسكرية العربية، حيث تتحول الجيوش فجأة إلى كيان غير مرئي، وكأنها تتبخر في الهواء.
في عام 2003، كان الجيش العراقي، المصنف حينها الخامس عالميًا، واحدًا من أقوى جيوش المنطقة وأكثرها تدريبًا وتجهيزًا ، ورغم ذلك شهد العالم اختفاءً مفاجئًا لهذا الجيش، وكأنه تبخر بين ليلة وضحاها ، هذا التحلل غير المتوقع مثّل لحظة فارقة في تاريخ المنطقة، وأثار تساؤلات لا حصر لها حول قدرة الجيوش العربية على الصمود أمام التحولات الجذرية.
ما حدث للجيش العراقي لم يكن حالة فردية، فالجيش السوري قدم مشهدًا مشابهًا ، رغم تصنيفه السادس عربيًا وخبراته الطويلة وتجهيزاته الكبيرة، تلاشى هو الآخر ، نصف مليون جندي مدربين ومجهزين اختفوا فجأة ، دون أثر، في ظاهرة أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع.
كيف يمكن تفسير هذا المشهد المثير للدهشة؟ في منطقة تتسم بغنى الأساطير وضعف الاعتماد على العلم، تلجأ العقول غالبًا إلى تفسيرات ميتافيزيقية أو خيالية لتبرير الظواهر الغامضة ، وهنا تبرز نظريتان خياليتان يمكن اعتبارهما انعكاسًا لهذا النمط من التفكير:
- النظرية الأولى: هل يمكن أن يكون قادة الجيوش العربية أحفادًا للملك سليمان، الذي كان يتحكم بالجن، وأنهم يمتلكون قدرات خارقة تجعلهم قادرين على إصدار أوامر بإخفاء جيوش بأكملها في طرفة عين؟
- النظرية الثانية: وفقًا للأساطير، ربما يمنح الجنود “طواقي إخفاء” كجزء من عتادهم العسكري ، بمجرد الضغط على زر معين ، يختفي نصف مليون جندي في لمح البصر!
رغم الطابع الهزلي لهذين التفسيرين، فإن الاعتماد على الخيال والأساطير لتفسير هذه الظاهرة يعكس افتقارًا للمنهجية العلمية في دراسة وتحليل الأسباب الحقيقية وراء مثل هذه الأحداث.
لمواجهة ظاهرة “التسامي” العسكرية، يتعين على قادة الجيوش وأصحاب القرار دراسة هذه الظاهرة بجدية، باستخدام أساليب علمية ومنهجية ، إذا كان هناك أي تهديد “فيزيائي” أو “غير مرئي” يواجه الجيوش، فيجب كشف أسبابه ووضع استراتيجيات عملية للتعامل معه.
في الوقت ذاته، يجب أن تكون هناك خطط احترازية لتجنب وقوع سيناريوهات مشابهة في المستقبل، خاصةً مع توجيه الأنظار الآن نحو أقوى الجيوش العربية المتبقية، مثل الجيش المصري المصنف الأول عربيًا والخامس عشر عالميًا، والجيش الجزائري المصنف الثالث عربيًا والسادس والعشرين عالميًا.
هل سيحرص القادة على خلو صفوفهم من سحرة الجن؟ وهل سيتم التأكد من عدم وجود “طواقي الإخفاء” وكبسات التحكم السحرية؟
ظاهرة “التسامي” العسكرية، بمعناها المجازي، تستدعي تفكرًا عميقًا، ليس فقط لضمان بقاء الجيوش، بل لصون مستقبل الأوطان ، إذا لم تُدرس هذه الظاهرة بعمق وتُفكك أسرارها، فقد نشهد اختفاءً مفاجئًا لجيوش أخرى، تاركين خلفنا فراغًا يصعب ملؤه وتاريخًا مثقلًا بأسئلة بلا إجابات.
ظاهرة قد تستحق الدراسة ، وعلى قولة الأستاذ اسامة الرنتيسي … الدايم الله