رحاب القضاة – آلأول نيوز –
عِندَما قَرأتُ تَصريحَ مَعالي وزيرِ التَّربيةِ والتَّعليمِ الدُّكتور عَزمي مُحافظة، شَعَرتُ وكَأنَّهُ أَحدُ أَسئِلَةِ الرِّياضِيَّاتِ التي نَحُلُّها في امتحانِ الثَّانويَّةِ العامَّةِ:
“إِذا كانت مادَّةُ تاريخِ الأُردنِّ تُساوي 4.5 من 30، و40 من 300، فَكَم يُساوي احترامُنا لتاريخِ بَلدِنا؟”
الإجابةُ واضِحَةٌ: تَحتاجُ إلى إِعادةِ تقييمٍ، تمامًا كَما تَحتاجُ هذهِ القَرارات ؟!
في إِحدى الأُمسياتِ البارِدَةِ، جَلَسَ أَبو نايفٍ في صالونِهِ، يَتناولُ كوبَ شايٍ ويَتَحدَّثُ بِحماسٍ عَن تاريخِ الأُردنِّ مَعَ حَفيدِهِ سامي، الطَّالبِ في الصَّفِّ الحادي عَشَر.
قالَ أَبو نايف: “يا بُنيَّ، تَعَلَّمتُ مِن تاريخِ الأُردنِّ كَيف صَمدنا في وَجهِ الصِّعابِ، وكَيف صَنعنا حَضارةً نَفتَخرُ بِها.
احفَظ تاريخَ بلدِكَ، فالمُستَقبَلُ يَبدأُ بِمعرفةِ الماضي.”
رَفَعَ سامي رأسَهُ بِتَردُّدٍ وقال: “جِدو، بَس مَعالي الوَزير قَرَّرَ إِنَّ تاريخَ الأُردنِّ وَزنُهُ 4 عَلاماتٍ بَس في امتحانِ التَّوجيهي.
يعني حَتَّى لو حَفِظتُ كُلَّ الكِتابِ، وَزنُهُ أَقلُّ مِن وَزنِ غَلطةٍ في اللغةِ الإِنجليزيَّة!”
ابتَسَمَ أَبو نايف بدهشَةٍ وقال: “4 عَلامات؟
يعني لَو كُنتُ أَنا طالِبًا اليَوم، كَانَ يُمكِنُني أَن أَترُكَ الكِتابَ وأُركِّزَ عَلى حِصَّةِ الرِّياضَة!”
أما التَّبريرُ الرَّسميُّ أنها حِساباتٌ دَقيقةٌ على الوَرَقِ فقط
بِحَسبِ تَصريحِ مَعالي الوَزير، فَإِنَّ السَّببَ في هذا التَّوزيعِ أَنَّ عَدَدَ حِصَصِ تاريخِ الأُردنِّ أَقلُّ مِن حِصَصِ المَوادِّ الأُخرى.
يَبدو وكَأَنَّ الوِزارَةَ تَعامَلَت مَعَ الحِصَصِ كَأَنَّها دَجاجاتٌ تُحسَبُ بِالأَرقامِ وليسَ بِالمَعنَى والقِيمَةِ!
لكن السُّؤالَ الذي يُطرَحُ هُنا:
هَل وَزنُ المادَّةِ يَجِبُ أَن يَكونَ مَرهونًا بِعَدَدِ الحِصَصِ، أَم بِقيمَتِها الرَّمزِيَّةِ والثَّقافِيَّةِ؟
هَل تاريخُ الأُردنِّ مُجَرَّدُ مادَّةٍ اختيارِيَّةٍ تُدرَسُ لِلحُصولِ عَلى عَلاماتٍ، أَم هُوَ الجِسرُ الذي يَربُطُ الأَجيالَ بِهويَّتِهم وانتمائِهم؟
عادَ أَبو نايف إِلى حَفيدِهِ سامي وقال بِحِكمَةٍ: “يا بُنيَّ، تَخيَّل أَنَّني أَعطَيتُكَ 4 دَقائِق فقط لِتُحدِّثَني عن كُلِّ شيءٍ جَميلٍ تَعَلَّمتَهُ مِنِّي. هَل سَتَكفي؟”
ضَحِكَ سامي وقال: “أَكيد لا، يا جِدو!”
رَدَّ أَبو نايف: “وهذا هُوَ المَغزى! إِذا اختَصَرنا قيمَةَ تاريخِ بلدِنا إِلى مُجرَّدِ 4 عَلامات، فَكَيفَ نُعلِّمُ الأَجيالَ حُبَّ الأَرضِ والتَّضحِيَةَ مِن أَجلِها؟”
الحِصَّةُ الواحِدَةُ بِـ1.5 عَلامة!
بِناءً عَلى الحِساباتِ الوِزارِيَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ حِصَّةٍ مِن حِصَصِ تاريخِ الأُردنِّ تُساوي 1.5 عَلامة.
تَخيَّلوا لَو طَلَبنا مِن الطُّلَّابِ تَقييمَ قيمَةِ الحِصَّةِ بِناءً عَلى “وَزنِها”، فَرُبَّما نَجدُهُم يَسأَلون:
“إِذا كانَت الحِصَّةُ خَفيفَةً لِهذهِ الدَّرَجَة، لِماذا لا نَأخُذُها في الفُسحَة؟”
بل وقَد يَتحوَّل النِّقاشُ في الصَّفِّ إِلى مُقايَضَةٍ طَريفَةٍ: “يا أُستاذ، خَلِّينا نَختَصِرُ الحِصَّةَ اليَوم، ونُعطيكَ 0.75 عَلامة بَدَل الـ1.5!”
رِسالَةٌ لِمَعالي الوَزيرِ مَعَ ابتِسامَةٍ
مَعالي الوَزير، نَحنُ نَفهَمُ أَنَّ تَوزيعَ العَلاماتِ هُوَ مَسأَلَةٌ فَنِّيَّةٌ، لكن هَل تَعلَمونَ أَنَّ التَّاريخَ لا يُقاسُ بِالأَرقامِ؟
تاريخُ الأُردنِّ هُوَ قِصَّةُ كُلِّ مُواطِنٍ، مَلحَمَةٌ تُروَى لِلأَجيالِ، وجُزءٌ مِنَ الهُويَّةِ الوَطَنِيَّةِ.
دُروسٌ مِنَ الماضي، وقَراراتٌ لِلمُستَقبَلِ
تاريخُ الأُردنِّ لَيسَ مُجرَّدَ “مادَّةِ ثقافَةٍ عامَّةٍ” تُقاسُ بِعَدَدِ الحِصَصِ أو العَلاماتِ.
إِنَّهُ كِتابٌ يَروي قِصَصًا عَنِ الصُّمودِ والشَّجاعَةِ، ويُعلِّمُ الأَجيالَ قيمَةَ الوَطَنِ.
وكَما قالَ أَبو نايفٍ لِحَفيدِهِ سامي:
“إِذا أَرَدتَ أَن تَصنَعَ مُستَقبَلَكَ، ابدأ بِتَقديرِ ماضِيك.”
لِذا، مَعالي الوَزير، نَطلُبُ مِنكُم إِعادةَ النَّظرِ في هذا التَّوزيعِ، لأَنَّ التَّاريخَ لَيسَ مُجرَّدَ عَلامةٍ… إِنَّهُ هُويَّتُنا.