أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – نكتة مؤلمة حضرت في ذهني وأنا أتابع أطنانًا من الثرثرات والتحليلات عبر الفضائيات في الـ 24 ساعة الماضية بعد تسريب مسودة وقف إطلاق النار في غزة، ونشر الدوحة لها بانتظار وضع البصمات الأخيرة على التفاصيل التنفيذية.
نعود للنكتة؛ يقال أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش دعا توني بلير إلى الغداء.. وبعد الغداء.. خرجا إلى الصحافيين للإدلاء بتصريح صحافي.
فسألهما أحد الصحافيين: ما هي القرارات التي اتخذتموها في أثناء الاجتماع؟
قال الرئيس بوش: قررنا أن نقتل 20 مليون عربي ودكتور أسنان واحدًا!
توقّف هنا أخي القارئ؛ ما هو السؤال الذي يدور بذهنك في هذه اللحظة؟
نعود للنكتة.. اندهش الصحافيون طبعا، ونظر بعضهم إلى بعض، والكل متلهف لمعرفة.. لِمَ طبيب أسنان واحد فقط؟ قال أحد الصحافيين للرئيس بوش: ولِمَ طبيب أسنان واحد؟
تبسّم بوش.. ثم مال نحو توني بلير، وهمس في أذنه: ألم أقل لك إن أحدًا لن يهتم بالـ 20 مليون عربي؟
انتهت النكتة.. هل ضحكتم؟
أشعر بالخجل من نفسي في هذه اللحظة.. لأنني عند قراءتي النكتة، سألت نفسي: لِمَ طبيب أسنان واحد؟
بصدق وبصراحة، ما الذي فكرتم به عند قراءتكم التصريح، وبالذات حين قال بوش: سنقتل 20 مليون عربي وطبيب أسنان واحدا؟
ألم يَدُر بفكركم هذا السؤال: ولِمَ طبيب أسنان واحد؟
انشغلنا بالطبيب الواحد ونسينا الـ 20 مليونًا الذين لا يوازون بضعة أسهم في البورصة!
وهذا هو حال الكثيرين! وهذه هي سياستهم! يوجّهون أنظارهم بعيدا، وينشغلون بكافة الأمور! وينسون حالهم.
الأوضاع في العالم لا تحتمل المراهنات، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية فإن مراكز دراسات وكبار الصحافيين والاستراتيجيين يطالبون الرئيس الأميركي ترامب بخلق رأسمالية جديدة، لمعالجة الحالة التي ورثها عن (قاتل طبيب الأسنان) ومن جاء بعده.
هناك مثل أعتقد أنه شعبي يقول: كبّرها بتكبر، وصغّرها بتصغر. ولكن المصيبة أن نُشغل أنفسنا جميعا بمعرفة اسم وجنسية طبيب الأسنان وتهمته، ولا نلتفت إلى الـ 20 مليونًا من العرب قُتلوا أو على طريق المقصلة.
بالمناسبة؛ كل الخوف أن تنشغل حماس وما تبقى من قادتها للاحتفالات بالنصر الذي تحقق في غزة، ويبحثون عن الجهات التي سيهدونها النصر، وينسون أكثر من 46 ألف شهيد ومثلهم تحت الانقاض، و11 ألف مفقود، ومليونا و200 ألف نازح من الشمال، وعائلات بأكملها مسحت من السجل المدني، والدمار والإبادة اللذين لحقا بالقطاع فحولاه إلى منطقة غير صالحة للحياة.
الدايم الله….