الأول نيوز – يحتفلُ الانتصاريون المؤيدون لإسرائيل بثلاثية: ففي غضون عام واحد فقط، أسقطت إسرائيل و/أو أعادت إلى الوراء على نحوٍ كبير أعداءها الثلاثة الأكثر إزعاجًا: حماس وحزب الله وبشَّار الأسد في سورية، كما أُضعفَ عدوٌ آخر، إيران، بسبب الهجمات الصاروخية الإسرائيلية، واغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، وقائد الحرس الثوري في دمشق. وذكرت التقارير أن الميليشيات الشيعية العراقية المتحالفة مع إسرائيل وعدت، مؤقتًا على الأقل، بوقف الهجمات على إسرائيل.
تزعم مصادر عسكرية إسرائيلية أن الضربات التي شنَّتها داخل إيران (جاءت ردًا على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل) أدت إلى تدمير جزء كبير من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية. ويشير هؤلاء المسؤولون الأمنيون إلى أن هذه كانت مهمة أساسية: القضاء على الدفاعات الجوية الإيرانية استعدادًا لهجوم شامل مستقبلي على برنامجها النووي. وتشير المصادر إلى أن إيران قد تحتاج إلى عامٍ أو أكثر لإصلاح الأضرار الحالية واستعادة قدراتها. ستكون إيران خلال هذه الفترة في أضعف حالاتها، وسيكون شنّ هجوم هو الخيار الأمثل من وجهة النظر الإسرائيلية. وهذا هو الإطار الزمني الذي من المتوقع أن يقع خلاله مثل هذا الهجوم.
وفي ظل حالتها الضعيفة، يدعو كل من القادة الإسرائيليين ومستشاري ترامب الأمنيين إلى شنّ مثل هذا الهجوم على إيران. زار وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، واشنطن العاصمة الشهر الماضي. ومارس ضغوطًا على المسؤولين الأميركيين، قائلًا لهم إن هذه «نافذة للتحرك ضد إيران». وأعرب عن تفضيله إما لعملية إسرائيلية أو عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. بيد أن الرئيس [السّابق] جو بايدن لا يؤيد مثل هذا الهجوم. وبالتالي فإن الأمر متروك لإدارة ترامب القادمة، التي يدرس مستشاروها هذا الخيار بجدية. ورغم أن ترامب أعرب مرارًا وتكرارًا عن تردّده في الالتزام بإرسال قوات أميركية نيابة عن مصالح أجنبية، فإنّه منسجمٌ الآن مع المصالح الإسرائيلية.
سيطلبُ ترامب من وكالات الاستخبارات الأميركية، على أقل تقدير، مشاركة التقارير التي يمكن أن تساعد في استهداف المواقع الإيرانية، كما سيوفر الذخائر المتخصصة اللازمة لمثل هذه الضربات كما فعل بايدن في قطاع غزّة ولبنان. يتطلب تدمير الموقع النووي الأكثر تأمينًا في إيران المعروف باسم فُردو مثلًا قنبلة خارقة للتحصينات من طراز جي بي يو-57 تزن 30 ألف رطل (ما يُعادل 13.6 كغ)، والتي لا يمكن إطلاقها إلا على متن قاذفة من طراز بي-2. وسوف يتطلب الأمر طيارًا أمريكيًا أو إسرائيليًا لتنفيذ المهمة. وبدون هذا المستوى من المشاركة الأميركية، فمن غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من إلحاق أي ضرر كبير بمفاعل فُردو.
ومن أشهر الأمثلة على التعاون الاستخباراتي المماثل بين الولايات المتحدة وإسرائيل اغتيال إسرائيل للرجل الثاني السابق في حزب الله، عماد مغنية، والذي مكَّنه فريق استطلاع تابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من تنفيذه. وساعدت الولايات المتحدة أيضًا في تحديد أماكن تواجد معظم كبار قادة حماس في قطاع غزّة، مما مكّن الجيش الإسرائيلي من قتلهم. وعلى نحو مماثل، قد نتوقع الضوء الأخضر من إدارة ترامب لإسرائيل لمواصلة القضاء على كبار المسؤولين الأمنيين الإيرانيين، كما فعلت مع كبار قيادات حماس وحزب الله.
يمنح الواقع الجديد في شؤون الشرق الأوسط إسرائيل مجالًا أكبر بكثير لمهاجمة منافسيها. لقد اختفت الآن كل القيود التي كانت موجودة في وقت ما. في تحدّيه لإدارة بايدن أثناء الإبادة الجماعية في غزة، أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستتصرف دون عقاب في أي مكان في المنطقة لتحقيق مصالحها، دون مواجهة أي عواقب أو مساءلة إطلاقًا.
وقد ظهر النهج الإستراتيجي الجديد لإسرائيل جليًا في قطاع غزّة، حيث ارتكبت إسرائيل جرائم إبادة جماعية، على الرغم من رد الفعل العالمي المروع. لقد وقفت أميركا مكتوفة الأيدي، ولم تقاوم إسرائيل إلا لمامًا. حتى مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق غالانت ونتنياهو لم تردعهما عن قتل ما يقرب من 50 ألف فلسطيني. وفي مقالة نشرتها صحيفة الغارديان، قدرت ديفي سريدهار من جامعة إدنبرة أن عدد القتلى قد يصل إلى 335 ألف شخص، بما في ذلك الوفيات الناجمة عن القتال بصورة مباشرة وغير مباشرة.
وعلى نحو مماثل، أخلى الجيش الإسرائيلي أجزاء كبيرة من جنوب لبنان ودمَّر قرى بأكملها كانت في السابق معاقل لحزب الله. لقد أحال الضاحية الجنوبية في بيروت، حيث تتمركز الجماعة المسلحة، إلى أنقاض. وقد قُتل عدد كبير من كبار قيادات الحزب أثناء تواجدهم في مخابئ تحت الأرض اعتقدوا أنها منيعة، وذلك باستخدام قنابل خارقة للتحصينات من صنع الولايات المتحدة. يزيد نجاح هذه العمليات العسكرية الإسرائيلية، إلى جانب الاعتبارات السياسية الداخلية، على نحوٍ كبير من احتمالات التدخل في إيران.
ليس لدى ترامب، الذي أمر ذات يوم باغتيال القائد العسكري الأعلى لإيران، قاسم سليماني، أي علاقات حُب أو تعاطفٍ للإيرانيين. كما ألغى الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمه باراك أوباما في عام 2015. لا يستخدم الرئيس القادم الدبلوماسية التقليدية أو الاتفاقيات كثيرًا. وهو يفضل النهج الأحادي، واستخدام القوة إذا لزم الأمر. وهذا يزيد من احتمالية موافقته على عملية إسرائيلية.
وهناك عامل آخر محفز يتمثل في ضعف نتنياهو السياسي. الشيء الوحيد الذي يمنع إجراء انتخابات مبكرة وهزيمة الزعيم غير الشعبي، الذي بلغت نسبة تأييده 29%، هو استمرار الصراع العسكري. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أدلى بشهادته لأول مرة في المحكمة، حيث يواجه ثلاث تهم بالفساد. إن إدانته بأي من التهم ستجبره على الاستقالة. لقد أظهر نتنياهو أنه سياسي ماكر يعرف كيف يبقى، وخبير في التلاعب بالجمهور وبمنافسيه وبحلفائه السياسيين لتحقيق مصلحته الخاصة. وهو يدرك جيدًا أن الهجوم الناجح على إيران، حتى ولو كان ينذر بهجوم مضاد، قد يوفر له فوائد سياسية هائلة في الداخل.
غزو إسرائيل لسورية تحضيرًا للهجوم على إيران
أطاحت في ديسمبر/كانون الأول 2024 جماعة إسلامية متشددة، هيئة تحرير الشام، بالأسد. في شكلها السابق تحت اسم جبهة النصرة، كانت بمثابة وكيل لإسرائيل في الجولان السوري، حيث واجهت قوات حزب الله. بعد أن تولت هيئة تحرير الشام السيطرة هذا الشهر، غزا الجيش الإسرائيلي سورية واحتل أراضٍ على بعد ستة أميال من خط الهدنة لعام 1974 بين البلدين. وسارع نتنياهو إلى إلغاء المعاهدة، وأعلن أن إسرائيل ستحتل الأراضي السورية إلى أجل غير مسمى باعتبارها «حاجزًا دفاعيًا» على حدودها الشمالية.
وذكر تقرير لوكالة رويترز، استند إلى شهود عيان سوريين، أن قوات كوماندوز تابعة للجيش الإسرائيلي تعمل على بعد ستة عشر ميلًا من دمشق، في ضواحي المدينة. ورغم أن جيش الدفاع الإسرائيلي نفى هذه القصة، فإنه اعترف بأن قواته كانت نشطة خارج المنطقة العازلة الإسرائيلية الجديدة: «نشر الجيش الإسرائيلي قوات في المنطقة العازلة، وفي عدد من المناطق الضرورية للدفاع». بمعنى آخر، فهي لا تقتصر على النشاط في الأراضي المحتلة. وسوف تقوم بعمليات في أي أرض سورية تعتبرها حيوية لمصالحها.
ورغم أن هيئة تحرير الشام أطاحت بالأسد، وأصبحت القوة الفعلية داخل سورية، فإن القوتين الحقيقيتين هما إسرائيل وتركيا. ولكل منهما طموحات جيوسياسية أوسع. تسعى تركيا إلى هزيمة القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في شمال شرق سورية. كما أنها تحتل منطقة عازلة داخل شمال سورية، كما فعلت إسرائيل في الجنوب.
لدى الولايات المتحدة حاليًا 2000 جندي يدعمون حلفاءها الأكراد. هل يواصل دونالد ترامب هذه العملية؟ خلال فترة ولايته الأولى، كان يفكر في سحب قواتنا من سورية. ولكن في نهاية المطاف أُثني عن قراره من قبل جنرالاته، الذين أقنعوه بأن سورية سوف تسقط في الفوضى، وأن تنظيم الدولة الإسلامية سوف يعود إذا فعل ذلك.
وبما أن ترامب قد رشح شخصيات عسكرية واستخباراتية رئيسية تتوافق إلى حد كبير مع آرائه الانعزالية بشأن التشابكات الخارجية الأميركية، فقد يتخلّى عن الأكراد، حلفاؤنا على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، ليتدبروا أمورهم بأنفسهم. ومن المرجح أن تشنّ تركيا بعد ذلك هجومًا كبيرًا، مما قد يؤدي إلى تدميرهم. ومن شأن ذلك أن يترك فرصة لتنظيم داعش لاستئناف أنشطته الإرهابية في شرق سورية. تفاخر ترامب في فترة ولايته الأولى، بأنه هزم داعش. قد يمكّنهم هذا من الظهور مجددًا.
إيران بوصفها هدفًا تاليًا
وبمجرد أن تجد إسرائيل وضعها في سورية مستقرًا، فستكون في وضع يسمح لها بالتوجه إلى إيران. الهجوم الإسرائيلي نتيجة حتمية تقريبًا. السؤال ليس هل سيحدث ذلك، بل متى سيحدث ذلك. عندما يدخل ترامب البيت الأبيض، فسوف يواجه مسألة ما إذا كان سيوافق على هجوم إسرائيلي على البنية التحتية النووية والعسكرية والاستخباراتية الإيرانية. قد يقاوم ترامب التدخل الأمريكي المباشر. وهو متردد بشأن أي عملية تنطوي على التزام عسكري كبير. ولكنه من دون شك سيقدم معلومات استخباراتية بالغة الأهمية للإسرائيليين.
قد يؤدي توجيه ضربة ضخمة لأهداف إيرانية إلى إشعال حرب إقليمية. حتى مع تهميش أعضاء محور المقاومة الإيراني، هناك آخرون (من الشيعة العراقيين وحلفاء الحوثيين) لديهم القدرة على إلحاق الضرر بالقوات الأميركية والإسرائيلية. وقد يكون هذا أول صراع واسع النطاق من نوعه منذ عام 1973.
حتى الآن، نجحت إيران في ضبط برنامجها النووي. ولم يتجاوز تخصيب اليورانيوم لديها 60 بالمئة. ولم تنتج منظومة لإطلاق الصواريخ. قد تستغرق هذه العملية عامًا أو أكثر. وقد اختارت عدم التقدم أبعد من هذه الحدود، لأنها لا تريد أن تعطي لأعدائها سببًا لمثل هذه الضربة. وأفاد موقع أكسيوس هذا الأسبوع أن مستشار الأمن القومي الأميركي قدم خطة للرئيس بايدن لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية إذا اتخذت خطوات مثل تلك المذكورة أعلاه. وهذا ما يجعل الخيار النووي خطيرًا جدًا بالنسبة لإيران.
ورغم أن أي هجوم أميركي إسرائيلي من شأنه أن يلحق أضرارًا جسيمة بالبنية الأساسية النووية الإيرانية، فإن الخبراء يرون أن هذا الهجوم لن يدمر قدرات إيران النووية. ذلك أن حصول إيران على السلاح النووي من شأنه أن يغير إلى حد كبير توازن القوى في المنطقة. وبدلًا من أن تصبح إسرائيل القوة النووية الوحيدة، فإن إيران سوف تنضم إلى هذا النادي الحصريّ. ولن يكون لدى إسرائيل سلطة ونفوذ غير مقيدين. وكما هو الحال مع كوريا الشمالية، فإن إيران تمتلك ضمانة للبقاء في حال شن أعداؤها هجومًا شاملًا يهدف إلى إبادتها أو تغيير النظام فيها.
خلال الحرب الباردة، حافظت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على سياسة الدمار المتبادل المؤكد (MAD)، والتي قيدت كل طرف من استخدام أسلحته. أما الشرق الأوسط فهو أقل استقرارًا بكثير. وبعض هذه الدول، مثل إسرائيل، يحكمها متعصبون متورطون في الإبادة الجماعية، ويحملون رؤى عن حرب كارثية ضد الإسلام. يبدو أن احتمال اندلاع حرب نووية أصبح أعلى بكثير مما كان عليه خلال الحرب الباردة.
حولت إسرائيل المنطقة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مكان أكثر خطورة إلى حد كبير. ولكن ربما لا تمتلك إدارة ترامب الجديدة القدرة أو الإرادة لمنع صراع ذي أبعاد كارثية.
(المقال مترجم عن موقع جاكوبين، ولا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الأول نيوز)