الأول نيوز – ضربت خلال اليومين الماضيين موجة هوائية قوية قطاع غزة، حيث المكان الذي لا يقوى على مواجهة أي من ظواهر الطبيعة؛ بفعل ما أثر به العدوان الذي شُنّ عليه لنحو عام ونصف من التدمير والقصف والقتل والتهجير، فمنا بنية تحتية معدومة، وبيوت مهدمة، وشوارع لا تعرف لها بداية من نهاية.
أجواء عاصفة وأمطار غزيرة، أخذت فتكاً بخيام متهالكة تأوي مئات الآلاف من المواطنين في مخيمات إيواء ونزوح غير مستعدة لاستقبال حتى درجات الحرارة المعتدلة أصلاً، صرخات ونداءات أطلقها النازحون عند علمهم بقدوم “المنخفض الجوي”، ومشاعر خوف بدت على ما تحويه خيامهم، حيث الأطفال والنساء الذين أنهكتهم الحرب فضلاً عن تأثيراتها.
قبل العدوان، وفي فصول الشتاء من الأعوام الماضية، كانت تتخوف غزة بسكانها من أي موجة ماطرة وعاصفة، حيث المعاناة من مشاكل البنية التحتية والتصريف المائي المزمنة لأسباب كثيرة يكون على عرشها الاحتلال، غرق للبيوت وسيول تجرف الشوارع ومصالح تتعطّل إلى حين انتهاء الأمطار، كل هذا الأعراض وليست وحدها كانت قبل العدوان، إلى أن أخذ الاحتلال بحربه هدفاً أولاً “تدمير قطاع غزة”، بما فيه من حجر وشجر وبشر.
خلال عامٍ ونصف، لم يمرّ على النازحين أجواء أسوأ من اليومين الماضيين، حيث أظهرت مقاطع فيديو شاهدنا معظمها على منصات التواصل الاجتماعي الرياح التي تقتلع عشرات بل مئات الخيام والشوادر التي تظهر أكثر مما تخفي من بداخلها، ومخيمات غرقت بمياه الأمطار، آلاف العائلات باتت تحت الأمطار ليلاً بعد أن اقتلعت الرياح خيامهم.
جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، أشار إلى أنّ المنخفض الجوي الحالي يكشف حجم المعاناة الحقيقية التي يعيشها المواطنون الذين نزحوا من النزوح المؤقت إلى نزوحهم الأول سواء في منازلهم التي وجدوها مدمرة أو في الخيام التي أقاموها على الأنقاض.
وشدّد على الحاجة بشكل عاجل إلى تزويده بمركبات إنقاذ ومضخات كبيرة ومعدات إنقاذ ثقيلة لشفط مياه الأمطار التي غمرت مناطق ومراكز الإيواء.
واهم من اعتقد أن الحرب انتهت!
بهذه الجملة الاعتراضية يبدأ النازح أبو خميس حديثه، وهو يقطن في خيمة في أحد مخيمات النزوح في بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، بعد أن دمّر الاحتلال منزله في مدينة رفح، مضيفاً أن الحرب لا تعني للنازح القتل والقصف فقط، بل أصعب آثارها مواجهة الحياة الجديدة التي فرضتها عليهم، وهو الحياة داخل الخيام في ظل الأجواء الباردة أصلاً فضلاً عن المنخفض الجوي الذي كشف قلة حيلة هذه الخيام، وأظهر الشكل الذي من الممكن أن تكون عليه حياة النازحين.
يشير أبو خميس إلى أنّ الليلة قبل الماضية كانت أصعب عليه وعائلته المكونة من أربعة أطفال من كثير من ليالي العدوان الذي ملأها القصف والقتل وأصوات الإسعافات وعربات الإطفاء، فقد غطّى صوت الريح واقتلاع خشبات الخيام على تلك الأصوات، لافتاً إلى أنّه وعائلته اضطّروا لقضاء تلك الليلة في “الشارع” وتحت المطر؛ وذلك بعد أن اقتلعت الرياح خيمته الصغيرة أصلاً.
وقال النازح أبو خميس: منذ أكثر من عام ونحن نحاول الاعتياد على حياة النزوح، إلا أن التحديات التي تفرضها علينا تفوق قدرتنا على الاعتياد، حيث لم تقينا لا حر الصيف ولا برد الشتاء، والأمر لم يقتصر على موضع الوقاية من الحر والبرد، بلا فاقها.
في نفس السياق، وبنفس النبرة العاجزة، تقول المواطنة أم سعيد شبير، التي خربت الأمطار خيمتها في منطقة مواصي مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، “رضينا بالبين والبين ما رضي فينا”، وتردف بعد أن أقنعنا أنفسنا بأننا نستطيع العيش داخل الخيام والنايلون استيقظنا نجد أنفسنا في العراء.
أم سعيد أشارت في حديث إلى أنّها تعيل 3 أبناء بعد أن استُشهد زوجها قبل نحو شهرين، وعلى تواضع خيمتها إلا أنّها كلفتها مبلغاً باهظاً، لكنّها لم تتحمل ليلةً واحدة من الرياح، متسائلةً عما من الممكن أن تفعله بعد خراب خيمته، داعيةً في ختام حديثها معنا الجهات والمؤسسات المعنية بتوفير مأوى لها ولأبنائها.
حالتان لن تكونا الأخيرتين، في ظل واقع شرس ومظلم تركه العدوان للمواطنين في قطاع غزة، في ظل غياب أو تغييب للجهات المعنية بمتابعة هذه المشكلات، سواء على المستوى الرسمي أم الإغاثي، وعلى صعيد المستويَين فإن هذا الواقع يفرض عليهما متابعة مشكلات المواطنين وصولاً إلى وضع حلولٍ فورية لها، فمن نجا من القتل بالقصف لا يجب أن يُترك للموت في البرد. (بوابة الهدف)