د. مارغو حداد – الأول نيوز –
ليس لي علاقة بالسياسة، لا من قريب ولا من بعيد، لكنها تتسلل إلينا. تقتحم يومياتنا دون استئذان، تصوغ ملامحنا، تغيّر حتى طريقة تنفسنا. السياسة ليست فقط مؤتمرات وأخبار عاجلة، هي ظلّ يمتد فوق رؤوسنا، يلامس الفن، الاقتصاد، حتى النفس. تتداخل في الحياة الاجتماعية، تتسلل إلى القرارات الاقتصادية، تؤثر في التعريف بكل شيء من حولنا، شئنا أم أبينا، هي حاضرة، لا يمكن فصلها عن أي تفصيل من تفاصيل الواقع.
كان المشهد واضحًا. لا أسئلة للملك. كل العيون صوب ترامب، وكل الأسئلة سهام مسمومة. لم أسمع سؤالًا واحدًا يحمل وداً، لا تعاطفًا ولا تأييدًا. الإعلام الأمريكي كان هناك، لكنه لم يكن محايدًا. كان مشحونًا، متحفزًا، كأنما يحمل على كتفيه حربًا مؤجلة. ترامب كان حادًا، شرسًا، كعادته، كأنما يقاتل وحده.
لكن الملك؟ كان مختلفًا. لم يدخل المعركة، لم يتورط في الضجيج. كان هادئًا، متزنًا،لأنه يعرف أن السياسة ليست صراخًا، بل فنّ الاستيعاب. لم يرفع صوته، لكنه قال كل شيء. لم يصطدم، لكنه غيّر اتجاه الريح. نقل المشهد كله إلى حيث يجب أن يكون، حيث يحضر العالم العربي لا كمفعول به، بل كفاعل رئيسي في الحكاية.
لم يكن الملك يتحدث عن الأردن فقط، بل كان يحمل في صوته غزة، القدس، فلسطين بكل ما تعنيه من رمزية وتاريخ. لم يكن موقفًا دبلوماسيًا عابرًا، بل تأكيدًا على أن فلسطين ليست ورقة مساومة، وأن القدس ليست قضية قابلة للنسيان. في كل لقاء، في كل موقف، كانت فلسطين ثابتة في خطابه، كأنها جزء من معادلة لا يمكن تجاهلها. في زمن تتغير فيه المواقف، ظل موقف الأردن ثابتًا، واضحًا، لا يقبل التأويل. كان يدرك أن الصراع ليس مجرد نزاع سياسي، بل قضية هوية وحق.
هذا اللقاء لم يكن مجرد لقاء. كان مرآة، تعكس صورة إعلام متحفز، ورئيس يقاتل الجميع، وملك يفهم أن القوة الحقيقية ليست في الصوت العالي، بل في القدرة على إدارته.
قد أقول إن السياسة لا تعنيني، لكن الحقيقة أنها تعنينا جميعًا. تؤثر في طريقة تفكيرنا، في قراراتنا، في مشاعرنا. حتى حين نحاول الهرب منها، نجدها تسير أمامنا، بخطى واثقة، كأنها تقول: “أنا هنا، ولن أختفي”.