رمضان غزة.. موسم للمعاناة وسط فقدان الأحبة وغياب مقومات الحياة

الأول نيوز – يحلّ شهر رمضان على غزة  هذا العام في ظل مشهدٍ مأساويّ خلّفه العدوان “الإسرائيلي” الأخير، حيث تحوّلت أحياء بأكملها إلى أنقاض، تاركًا وراءه مئات الآلاف من العائلات بلا مأوى، وبينما تحاول الأسر المنكوبة استعادة جزءٍ من حياتها وسط الدمار، يواجه السكان أزمة اقتصادية خانقة، مع ارتفاعٍ حاد في الأسعار جعل تأمين الاحتياجات الأساسية لشهر الصيام عبئًا ثقيلًا على كثير من العائلات.

ولا تزال العائلات الغزية تحاول التكيّف مع واقع مرير، ففي بيتٍ مهدّم لم يتبقّ منه سوى الجدران المتصدعة، تجلس أم خالد الشمالي، وهي أم لخمسة أطفال، وتحكي بحسرة “كنا نستعد لرمضان كما في كل عام، لكن القصف دمّر بيتنا، وفقدنا كل شيء، واليوم نستقبله في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، وكذلك الأمان”.

وتضيف الشمالي، “انظر حولك الخيام التي تأوي أسراً فقدت منازلها، تتوزع على طول الشوراع والميادين العامة، فقدنا أجواء رمضان الجميلة، لكنني أحاول أن أفرح أطفالي بالتقاليد المتعارف عليها وهي زينة رمضان كالفوانيس تعويضاً لهم عما شاهدوه وعايشوه طوال العدوان”، مشيرةً إلى أنّ “معاناة هذه الأسر أكبر من أي مساعدات قد تخففها، إذ نعيش رمضان هذا العام بلا منزل ولا ذكريات”.

الأهالي بلا مأوى والخراب يخيم على الأحياء

وفي مخيم جباليا، حيث لا يزال الدمار شاهدًا على قسوة العدوان، يحاول الحاج خليل السبع، الذي فقد منزله وبعضًا من أفراد عائلته، التأقلم مع واقع قاسٍ فرض عليه حياة النزوح والحرمان، يصف المشهد قائلًا: “الأبنية المدمّرة تروي حجم الألم الذي عشناه، هناك عائلات فقدت كل شيء، وأخرى تسكن بين الأنقاض، فيما أصبحت مشاهد الخيام التي تأوي النازحين جزءًا من المشهد الرمضاني في غزة، ونعيش وسط معاناة مستمرة، في ظل نقص المساعدات وانعدام أي بدائل حقيقية.”

ويضيف السبع بأسى”: كان منزلنا يعجّ بالحياة في رمضان، وكنا نجتمع حول مائدة الإفطار وسط أجواء مليئة بالدفء، أما اليوم فنحن مشتتون بين منازل الأقارب، نفتقد دفء بيتنا وأحبائنا، ولا نشعر بطعم الشهر الفضيل وسط هذا الدمار”، مبيناً أنّه “مع حلول رمضان، تجد العائلات النازحة نفسها أمام تحديات مضاعفة، حيث لا يقتصر الأمر على فقدان المنازل، بل يمتد إلى فقدان سبل العيش، وصعوبة تأمين أبسط الاحتياجات الرمضانية، ما يجعل الشهر الكريم هذا العام شهرًا للصبر والمعاناة، أكثر من كونه شهر الرحمة والطمأنينة”.

فقدان الأحبة ألم يغيّب فرحة رمضان

ولا يقتصر الألم في غزة على عدم توفر المأوى ومشهد الدمار الواسع، بل يزداد وجعًا بفقدان الأحبة الذين غيّبهم العدوان الصهيوني الأخير، فعائلات كثيرة ستفتقد هذا العام أفرادًا كانوا يجلسون على موائد الإفطار، لتبقى أماكنهم شاغرة، تروي قصة فقدان لا تعوّضها الأيام.

تقول أم أحمد حمدان، التي فقدت ابنها في العدوان الأخير، إنهّا لا تزال تعيش في صمت ألمه العميق، ولا يمكن لكلماتها أن تُعبّر عن حجم الفاجعة التي لحقت بها وبعائلتها في هذا الشهر الفضيل، فكلما مرّت الأيام في رمضان، تجد نفسها أكثر انكسارًا، وهي تتذكر كيف كان محمود يجلب الفرح إلى المنزل بأبسط الأشياء.

وتقول حمدان  والدموع تنهمر: “رمضان فقد نكهته تمامًا بغياب ابني محمود، لم يكن مجرد ابن، بل روح البيت ونبضه، وكان يجلس بجانبي عند كل إفطار، يملأ المائدة بالضحكات، ويداعب إخوته بحب، كان أول من يحرص على شراء الفوانيس للصغار، وأول من يوقظ الجميع للسحور، لكنه اليوم غير موجود، لم يعد لصوت ضحكته صدى في أرجاء المنزل، ولا لحديثه حضور حول المائدة، وبفقدانه، أصبح رمضان موسمًا للحزن والدموع، ولا شيء في هذا العالم يمكن أن يعيد الفرح إلى قلبي.”

وبينما تتحدث أم أحمد، يغمرها الحزن وهي تُسرد تفاصيل دقيقة من حياتها مع ابنها الراحل، تتذكر كيف كان محمود يهتم بكل شيء، وكيف كانت ضحكاته تجعل الجميع ينسون هموم الحياة في تلك اللحظات البسيطة، تذكر كيف كان يساعدها في تزيين البيت، وكان أول من يعزف الأناشيد الرمضانية، مشيرةً إلى أنّ “غيابه جعل من رمضان هذا العام عبئًا ثقيلاً، وترك جرحًا لا يندمل، وأصبح ذكرى موجعة تمتد في تفاصيل كل يوم من أيام الشهر الفضيل، وفقدانه زاد الألم”.

ارتفاع الأسعار يقيد مائدة رمضان.. العائلات تواجه أزمة اقتصادية خانقة

وفي الأسواق، انعكس الدمار والركود الاقتصادي على حركة البيع والشراء، حيث باتت القدرة الشرائية للمواطنين في أدنى مستوياتها، وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية الأساسية، ما جعل الكثير من الأسر عاجزة عن تأمين احتياجاتها الأساسية لشهر رمضان.

أم حسن شبير، تحدثت عن معاناتها في تأمين احتياجات رمضان هذا العام، قائلةً بنبرة مليئة بالقلق والحزن: “كنا نحرص على إعداد مائدة رمضانية متكاملة، تضم كل ما لذّ وطاب من الطعام، وكنا نشعر بالراحة ونحن نقدم الطعام لأطفالنا، لكن هذا العام لا نستطيع شراء سوى القليل، وما كنا نعتبره أساسيًا أصبح حلمًا صعب المنال، حتى الخبز أصبح غاليًا، وكل شيء بات مكلفًا”، لافتةً إلى أنّه “عندما أذهب إلى السوق، أجد نفسي مضطرة للاختيار بين المواد الأساسية التي أحتاجها، لا أعرف ماذا أختار، فكل شيء أصبح مكلفًا.”

أما عن حالة أطفالها، فتقول أم حسن: “الأطفال يسألونني عن الفواكه والمكسرات التي كانوا يستمتعون بها في رمضان، لكنني لا أملك المال الكافي لشرائها، أرى الحزن في عيونهم، لكنني لا أستطيع أن أقول لهم أكثر من أن الوضع صعب جدًا.

وتُعبّر كلمات أم حسن عن حال العديد من العائلات في غزة التي تواجه صعوبة في تأمين أبسط احتياجاتها في شهر رمضان، وفي ظل الغلاء الفاحش، أصبحت موائد الرحمن ملاذًا لمئات العائلات التي لم تعد قادرة على تأمين إفطارها، حيث تصطف العائلات في المخيمات ومراكز الإيواء للحصول على وجبات تسدّ رمقها بعد يوم شاق من الصيام.

أما صاحب محل لبيع المواد الغذائية، أحمد الشيخ، يوضح، أنّ “ارتفاع الأسعار جعل الإقبال ضعيفًا، والناس تشتري بالكاد الضروريات، أسعار الدجاج واللحوم ارتفعت بشكل كبير، حتى التمور والزيوت لم تعد في متناول الجميع”، مشيراً إلى أنّ “المواطنين يتوجهون للجمعيات الخيرية للحصول على مساعدات بدلًا من التسوق كما في الأعوام الماضية.”

دمار المساجد: رمضان بلا ملاذ روحي

وعلى صعيد أداء الشعائر الدينية في غزة، التي كانت شوارعها تكتظ بالمصلين في رمضان، أصبح مشهد الدمار الناتج عن العدوان الصهيوني الأخير واقعًا مؤلمًا، فقد تعرضت أكثر من 90% من مساجد القطاع للتدمير وتحولت إلى أنقاض، مما شكل مأساة مضاعفة لأهالي غزة في وقت كانوا في أمس الحاجة إلى ملاذ آمن للروح والجسد.

تحدث الحاج محمد زويدي، قائلاً: “في رمضان، كانت المساجد هي الملاذ الذي ألجأ إليه للصلاة والدعاء والتهجد، وكان هذا الشهر يعمّ بالأجواء الروحانية في المساجد التي تزينت بالزينة الرمضانية، وتجمعات الناس من كل الأعمار لأداء صلاة التراويح، لكن بعد العدوان الأخير، أصبح العديد من المساجد في غزة مجرد أطلال من الأنقاض، وأصوات المؤذنين التي كانت تملأ الأجواء قد انخفضت، وأصبح الوضع صعبًا للغاية.”

ويلفت زويدي، إلى أنّ “الكثير من المساجد التي كانت تحتضن المصلين أصبحت الآن غير قادرة على استيعابهم بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بها من جراء القصف، فبعض المساجد دُمرت بالكامل، بينما عانت أخرى من أضرار في أسطحها وجدرانها، مما جعلها غير صالحة للصلاة”، موضحاً أنّه “تضاف لهذه المعاناة معاناة أخرى تتمثل في نقص الموارد من مياه وكهرباء، مما جعل أداء العبادات في هذه الأماكن تحديًا إضافياً، فضلاً على أننّا أصبحنا نصلّي في أماكن غير مجهزة بالشوارع والميادين العامة وتجمعات النازحين، ولا نملك سوى الذكريات الماضية”.

يأتي رمضان هذا العام على غزة محملاً بالآلام والمعاناة، حيث لا يقتصر الألم على الدمار المادي، بل يمتد إلى الألم النفسي بفقدان الأحبة وتدمير الأماكن المقدسة التي كانت ملاذًا للروح والجسد، لكن رغم كل هذه التحديات، يظل الصمود هو العنوان الأبرز لأهالي غزة الذين يسعون بكل قوتهم للتمسك بأمل الفرج، ولإحياء روحانية الشهر الكريم وسط كل ما يعصف بهم من أزمات. (الهدف)

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الملك يلتقي ممثلي الدول المشاركة في اجتماع الجوار السوري

 الأول نيوز – استقبل جلالة الملك عبدالله الثاني في قصر الحسينية، اليوم الأحد، ممثلي الدول …