الاول نيوز – محمد قاسم عابورة
عاماً بعد عام، يتحول يوم المرأة العالمي إلى مناسبة احتفالية جوفاء ، يومٌ تمتلئ فيه القاعات بالخطب الرنانة ، وتتزاحم المقالات بالوعود المعسولة ، لكنه يخلو من أي مضمون حقيقي أو أثر ملموس ، بات يوماً للكرنفالات والتصفيق ، لا للتذكير بنضال طويل ومرير خاضته المرأة عبر عقود، منتزعةً بعضاً من حقوقها بجهدٍ وعناء، قبل أن تُنتزع منها مرة أخرى باسم العادات والتقاليد أو تُختزل في تأويلات ذكورية تلبس ثوب الدين والتراث.
في هذا اليوم، يعلو صوت الرجال في كل مكان ، يتغنون بحقوق المرأة ويدّعون النضال من أجل حريتها، لكن مع انطفاء أضواء المنصات وعودة كلٍّ منهم إلى بيته، يخلع قناعه التقدمي ليعود إلى طقوسه المعتادة، حيث يطالب زوجته بأوامره التعجيزية، وربما يرمي يمين الطلاق في لحظة غضب، فقط لأن مذاق الطعام لم يرق له ، والغريب أن هذه الزوجة ذاتها لم يُسمح لها بمشاركته احتفاله بيوم المرأة، ولم تستمع إلى خُطَبه المتكلفة عن حقوقها التي ينادي بها في العلن ويدوسها في الخفاء.
أما خارج المنزل، فنجد أن بعض أولئك الذين يعتلون المنابر للحديث عن حقوق المرأة هم ذاتهم من يطلقون النار على شقيقاتهم تحت ذريعة “صون الشرف”، فقط لأن إحداهن تلقت رسالة خاطئة على هاتفها، أو جلست لشرب القهوة مع زميلها، أو سُمعت وهي تتحدث مع رجل أحبته، تحلم بمستقبل تشاركه معه. حتى الأحلام البريئة لم تعد حقاً مشروعاً للمرأة في مجتمعات تتوارث قيودها جيلًا بعد جيل.
وفي الجانب الآخر، تخرج الجمعيات النسوية والأحزاب التي تدّعي الدفاع عن حقوق المرأة لتنظم الفعاليات المبهرة، وتلقي أجمل الكلمات عن رموز نسائية خلدها التاريخ، ولكن، في ذات اليوم، قد تعود إحدى القيادات النسوية إلى بيتها لتُعلن حالة الحزن والحداد لأن ابنها رُزق بمولود أنثى بدلاً من ذكرٍ يحمل اسم العائلة ، وإن تكرر الأمر بإنجاب أنثى أخرى، فالويل والثبور للزوجة، التي ستُحمّل مسؤولية “كارثة” تهديد الإرث الذكوري للعائلة.
إننا في هذا اليوم بحاجة إلى مواجهة الحقيقة أولاً: نحن نحمل إرثاً ثقيلاً من التخلف الثقافي، ونصوصاً وتأويلات منحناها طابعاً مقدساً يمنعنا حتى من مناقشتها ، و ثانياً : نحن نبرع في خداع أنفسنا، نتلون بأقنعة الحداثة، ونتشدق بالعلم والمنطق، بينما في أعماق عقولنا يسكن وحش الذكورية المتوارثة ، يرسّخ مفاهيم مؤسفة بأن المرأة “ناقصة عقل ودين”، ويقرر أنها لا تستحق العلم، ولا الإرث، ولا حتى أن تكون شاهدة على عقد زواج ابنها أو ابنتها ، كل ما يُطلب منها هو أن تطلق زغرودة تعلن بها فرحتها… أو وجودها.
لكن رغم كل ذلك، تبقى التحية الأولى والأخيرة للمرأة المناضلة ، التي لم تستسلم ولم تتراجع ، والتي تدرك أن الطريق نحو الحرية والمساواة لم يُغلق بعد ، والتحية لكل رجلٍ وامرأة اختارا أن يكونا في صف الإنسانية، يناضلان معاً من أجل مستقبل أكثر عدلاً ، لأحفادنا ذكوراً وإناثاً، ليعيشوا في عالم لا يوزن فيه الإنسان بجنسه ، بل بإنسانيته .