الكرامة …. ملحمة البطولة واستعادة الكرامة العربية

الاول نيوز –  محمد قاسم عابورة

في الحادي والعشرين من آذار، تتجدد في ذاكرة الأردنيين والعرب ذكرى يومٍ تحوّل فيه الدم إلى نصر، واليأس إلى أمل، يومٌ ارتفعت فيه راية البطولة عاليةً في سماء العزة، لتعلن للعالم أن الكرامة العربية ليست شعارًا يُرفع ، بل عقيدة تُبنى على صلابة الموقف ووهج التضحية ، إنها ذكرى معركة الكرامة، ذلك الحدث المفصلي الذي غيّر معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، وأثبت أن الإرادة الصلبة ، إذا اجتمعت مع الإيمان تصنع المستحيل.

في هذا اليوم المجيد، تستحضر الأمة العربية صمود جيشٍ أبيّ خاض معركة الفداء تحت قيادة المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، حيث لم تكن الكرامة مجرد معركة عسكرية بقدر ما كانت رمزًا للكبرياء العربي، وشهادةً على أن الأمة التي تؤمن بحقها وتتمسك به، لا تنكسر أمام أعتى الطغاة ، ولا ترضخ لمنطق القوة الجائرة.

في عام 1968، أقدمت القوات الإسرائيلية على اجتياح منطقة الكرامة في غور الأردن ،، ساعيةً لضرب الفدائيين الفلسطينيين والقوات الأردنية ظنًا منها أن الطريق ممهدٌ لنصرٍ سريعٍ وحاسم ، غير أن الجيش العربي الأردني، بقيادة الفريق الركن مشهور حديثة الجازي، وبإرادة صلبة من الملك الحسين كان لها بالمرصاد ، لم يكن التراجع خيارًا، ولم يكن الانسحاب مطروحًا، بل كان القرار مواجهةً حتى آخر رمق، دفاعًا عن الأرض والعزة ، وإيمانًا بأن الكرامة لا تُوهب ، بل مزروعة في وجداننا وفي عقولنا .

على أرض الكرامة ، التي ارتوت بدماء الشهداء، صنع جنود الجيش العربي الأردني ملحمةً خالدة، حيث تلاحمت بنادقهم مع أرواحهم، وسطروا بدمائهم دروسًا في التضحية والصمود ، كما فعلوا على ثرى جنين والقدس والجولان ، لقد واجهوا عدواً مدججًا بالعتاد متغطرسًا بقوته ، لكنهم كانوا أشد بأسًا ، وأصلب عودًا، يستمدون عزيمتهم من حبهم لتراب الوطن وإيمانهم بعدالة قضيتهم ، كانت أرض المعركة ميدانًا للشرف، حيث أظهر الأردنيون بسالةً لا تُضاهى، وأثبتوا أن العزيمة إذا صادفت الإيمان، فلا قيد يكبلها، ولا قوة تقهرها.

امتدت المعركة طوال النهار، وكانت سجالًا بين إرادةٍ لا تُقهر وقوةٍ ظنّت أنها لا تُهزم ، ومع غروب الشمس ، كان النصر قد كُتب بمداد الدم ، حين أجبر الأردنيون العدو على التقهقر والانسحاب، تاركًا وراءه الخيبة والخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد ،   لم يكن ذلك انتصارًا عسكريًا وحسب ، بل كان رسالةً مدويةً إلى العالم بأن الأمة العربية قادرةٌ على حماية كرامتها، وأنها مهما اشتدت عليها الخطوب ، قادرةٌ على استعادة مجدها، إذا تسلحت بالعزم والإيمان .

في ذكرى معركة الكرامة ، ننحني إجلالًا أمام أرواح الشهداء الذين نقشوا أسماءهم في سجل المجد ، ونستذكر بطولات الجيش العربي الأردني الذي كتب بدمائه ملحمةً المجد والخلود ، إنها ذكرى تذكرنا دومًا أن الكرامة ليست هبةً تُمنح، بل رايةٌ تُرفع بسواعد الأحرار، وأن الصمود في وجه العدوان هو الطريق الوحيد إلى النصر.

ستبقى معركة الكرامة شعلةً لا تنطفئ في وجدان الأردنيين والعرب، شاهدًا على أن الإرادة حين تكون صلبةً ، والعزيمة حين تكون راسخةً ، فلا مستحيل يقف أمامها ، فتحيةً إلى الجيش العربي الأردني الباسل الذي لا يزال حصنًا منيعًا للوطن، ورمزًا للفداء والتضحية ، وتحيةً إلى القيادة الحكيمة، التي كانت وما زالت درعًا للأمة ، وسيفًا يشهر في وجه التحديات، وصانعًا للمجد والبطولات .

عن Alaa

شاهد أيضاً

وَصْفة المعشر لتطوير التعليم!!

الأول نيوز – د. ذوقان عبيدات في ندوة بملتقى الحمّوري الثقافي، تحدّث د. مروان المعشر؛ …