الأول نيوز – جمال الخطيب –
في الوقت الذي أعلنت فيها الدولة الأردنية عن اكتشاف مؤامرة تستهدف الأمن الوطني والاستقرار ، في مواجهة مخطط مشين لمجموعة مدانة تستحق العقاب لها ولمن يقف خلفها، يظهر خطاب عقلاني وآخر غير عقلاني ، منه من يحمل المسؤولية لفئة أو لشريحة خطايا وأخطاء جماعة الأخوان المسلمون في الأردن.
الخطاب إذا ما إنفلت من عقاله فإنه يضر بالنسيج الوطني الأردني ، الذي تميز تاريخيا بالتنوع الغني والتعددية السياسية والفسيفساء الجميل، مما يقتضي التعقل في التغريد على مواقع التواصل الاجتماعي ،والذي يضر بأمن الأردن ،وقد يخدم أيضا أجندات ورؤى يستفيد منها الكيان الصهيوني الذي يتربص ويستهدف الأمن القومي الأردني والعربي ، ولا يخفي العدو نواياه بإثارة الفوضى والفتنة خاصة في المملكة التي شكلت وشعبها دوما سندا لدعم الشعب الفلسطيني والقضايا العربية ، وقدم الكثير لأشقائه العرب في ظل إقليم ملتهب منذ عقود ، وكان الأردن حاضنته.
لا بد من التأكيد على أن أمن الأردن واستقراره يخدم القضية الفلسطينية ، وأن إثارة الفوضى في الأردن لا تخدم الكفاح الوطني الفلسطيني ومقاومته للاحتلال ، وأن الإسناد الشعبي السلمي وترجمة الموقف العربي الذي انبثق عن القمة العربية الأخيرة هو المطلوب وليس عبر عسكرة دول المنطقة وزعزعة إستقرارها.
إن المرحلة في غاية الحساسية ،سيما وأن الإدارة الأمريكية الجديدة واليمين الديني المتطرف في إسرائيل يسير قدما في تنفيذ مخططاته الرامية للتهجير وإنجاز شرق أوسط جديد على حساب شعوب ودول المنطقة ، ولا يزال الوضع القائم بوقائعه ومجرياته وتداعياته والقدرة على مواجهته أمر بالغ الصعوبة .
من الأهمية بمكان أن تتجنب الحركة تحشيد الشارع في ظل ما يجري في غزة لغايات مكاسب انتخابية سواء في العمل النيابي أو البلدي ، واتخاذ مواقف عقلانية تتلاءم مع الوقائع والمجريات وتجذيب مواقفها ورؤيتها بما يتماهى مع الحكم في ظل أحداث إستثنائية فريدة يمر بها العالم أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وتكون رديفا للدولة والمساعدة في إدارة الأزمات .
المخطط الإرهابي والتعاطي معه :
إن إعلان الأردن إحباط المخطط الذي كشفت عنه حرفية وجهود دائرة المخابرات العامة من خلال متابعة الخلية وضبطها ، ودور جلالة الملك بقيادة البلد نحو بر الأمان وتجاوز الأزمات ستحول حتما الى وقف إثارة الفوضى ، وسييجبر الدولة للمبادرة بتنفيذ سياسات جديدة ضد كل من يقف وراء هذا الإجرام، سيما وأن الاتهامات تضمنت قضايا عدة منها: «تصنيع صواريخ وحيازة مواد متفجرة، ومشروع لتصنيع طائرات مسيَّرة، وتجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج.
أن المرحلة قد تؤدي الى فك الاشتباك بين (الإخوان) وذراعه الحزبي (جبهة العمل الإسلامي) الممثلة في البرلمان الحالي بـ(31) مقعداً انطلاقا من مبدأ سيادة القانون ،وفي وقت يخشى الأردن من استغلال إسرائيل للحدث على أنها مستهدفة أمنياً، واستخدامه كذريعة للتوسع في عملياتها العسكرية بالضفة الغربية، وهو ما حذرت منه عمّان في الآونة الأخيرة، وتعده تهديداً لمصالحها في حال تمسكت حكومة اليمين الإسرائيلي، بسياسة التهجير سواء في غزة أو الضفة، فالتصعيد الإسرائيلي واستمراره في ارتكاب مجازر يحق المدنيين في غزة ولبنان، سيدفع المنطقة نحو الهاوية، وسيزيد من مشاعر الغضب التي قد ترتد على الإسرائيليين بفعل حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو وآخرين يعلنون صراحة مطالباتهم بـإبادة الفلسطينيين.
كان على الحركة الإسلامية في الأردن،ضبط شعاراتها خلال مسيرات ووقفات اعتادت تنفيذها في محيط السفارة الإسرائيلية، واتخاذ إجراءات بحق عناصرها الذين يخرقون القوانين، وعدم شحن الشارع ورفض وإدانة أي عمل مسلح عبر الحدود لمآلاته وتداعياته الأمنية، خاصة وأنها شجعت وصول مسلحين اثنين إلى السياج الحدودي مع الضفة الغربية، لتنفيذ عملية ضد دورية إسرائيلية في شباط الماضي.
خلفية / نشأة أخوان الأردن وحاضنتهم:
أنشئت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945م، أي قبل النكبة الفلسطينية الأولى ب 3 أعوام ، حيث كانت الجماعة في تلك الفترة تعيش مداً جماهيرياً، بسبب مواقفها من قضية فلسطين ، وكان التأسيس بمبادرة عبد اللطيف أبو قورة، الذي اتصل بالمرشد العام حسن البنا، وتعرف على الجماعة وكان عضواً في الهيئة التأسيسية في مصر.
لقد مَثل “الدين” محتوى عمل جماعة الإخوان ونطاق تأثيرها الأساسي في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، لكن الجماعة تحولت بعد ذلك وبشكل تدريجي في المحتوى وطبيعة خطابها وتطورت في مسارها ومواقفها ونطاق عملها تطوراً هجيناً ملتبساً ومعقداً، تحوّلت ضمن مسارٍ متعرج من خطاب دعوي اجتماعي إلى خطاب سياسي، زاوجت خلاله الاعتبارات السياسية بوصفها حزب سياسي، والأبعاد الدينية والاجتماعية كمنظمة حاصلة على ترخيص لممارسة النشاط الخيري والدعوي، وقد انعكس ذلك على مضمون خطابها الذي تحول من إصلاحي تقليدي وعظي، إلى احتجاجي متشدد يمكن وصفه بـ”المفاصلة” مع المجتمع والدولة، وقد أثر ذلك على فهمها الديني والسياسي، المتناقض تارة مع مفاهيم السلفية والوسطية والصوفية والجهادية، والمُقتبس لها تارة أخرى.
نشاط الأخوان منذ البدء:
بدأ نشاط ما يطلق عليه “الإسلام السياسي” في الأردن متزامناً مع إنشاء جماعة الإخوان ،وقد صدر الترخيص للجماعة بالعمل عن مجلس الوزراء الأردني ونشرته صحيفة الجزيرة بتاريخ 8 فبراير عام 1946، بصفتها جمعية خيرية ودعوية،وجاء بالخبر ما نصه (قرَّر مجلس الوزراء العالي في جلسته المنعقدة في تاريخ 9 كانون الثاني السماح للوجيه إسماعيل بك البلبيسي وإخوانه السادة عبد اللطيف أبو قورة، إبراهيم جاموس، راشد دروزة، قاسم الأمعري، وغيرهم).
اتسمت علاقات الجماعة مع الملك عبدالله الأول بطابع من الودية، نظراً لحاجة الإمارة إلى نهضة العمل الخيري والدعوي، ويُذكر قوله “إن إمارة شرق الأردن بحاجة الى جهود الإخوان، وعرض على عابدين أن يعينه وزيرا في الحكومة الأردنية، وأن يُنعم عليه وعلى حسن البنا برتبة الباشوية، لكنهم اعتذروا عن القبول.
حصل الإخوان المسلمين على دعم من الدولة الأردنية، لتماثل نشاطها الخيري والإسلامي المعتدل مع نهج وسلوك الملك عبد الله الأول.
تغيرات في القيادة بعد النكبة :
أن مشاركة الأخوان في العمليات العسكرية خلال حرب 1948 كانت مقتصرة على قوة قوامها 100 متطوع، بالإضافة إلى جمع التبرعات والمساعدات، وفي الخمسينيات حصلت تغيرات طالت قيادات الجماعة عاملاً من عوامل التوجه نحو العمل السياسي والحزبي، فقد حل عبد الرحمن خليفة، رئيساً للجماعة خلفاً لمؤسس الجماعة عبد اللطيف أبو قورة في أواخر العام 1953، واستحدث منصب “المراقب العام”، وفي العام ذاته أقرت الجماعة نظامها الأساسي وبشكل مشابه لذلك المعتمد عند الجماعة الأم في مصر، ويذكر أنه حتى في ظل هذه التغيرات استمرت الدولة في النظر إلى الجماعة بوصفها جمعية خيرية وليست حزباً سياسياً، وبناء على ذلك حصلت على موافقة مجلس الوزراء الأردني في رئاسة توفيق أبو هدى على نظامها الأساسي، ومُكنت من الانتشار والتوسع في الدعوى بما يشمل الأماكن العامة والمساجد وغيرها.
كان نشاط الحركة في فترة الخمسينات وحتى سبعينات القرن الماضي، مقروناً على الدوام بحافز التنافس مع التيارات السياسية المنافسة لهم أيديولوجياً، وبشكل أكثر تحديداً من القوميين واليساريين، المدعومين وفقاً للأدبيات من الأنظمة العربية في مصر وسوريا، أو من المتعاطفين مع خطابات الرئيس المصري جمال عبد الناصر والأنظمة البعثية في كل من سوريا والعراق.
في ظل البيئة السياسية التنافسية، وتداخل المحلي والإقليمي، وجد الإخوان المسلمين في الأوساط السياسية الأردنية بيئة حاضنة لهم، وبدت علاقة الدولة والإخوان مستقرة بدوافع وحدة الموقف ضد الأحزاب البعثية والقومية التي تخالف الإخوان بالأيديولوجية، وتضمر موقفاً سلبياً تجاه الدولة الأردنية ونظامها السياسي، وهذا ما أكده مضر بدران – رئيس وزراء الأردن السابق عندما قال: “الأوضاع السياسية والأمنية الصعبة، كانت إلى حدًّ كبير نتاج طبيعة التفاعلات السياسية بين دول الإقليم، وألقت بظلالها على الأردن فكنّا مستهدفين من دولة الوحدة بين مصر وسورية، وعلاقتنا مع المصريين ليست على ما يرام، والعلاقة مع سوريا كذلك.
رافق حرب 1967 ،تحولٌ في المفاهيم العربية من القومية التي نادى بها جمال عبد الناصر وتراجع سطوة القوى اليسارية والقومية في مقابل بروز الصحوة الإسلامية، وشكلت تلك بداية الإرهاصات للمد الإسلامي في العالم العربي، التي كانت إحدى معالمه صدور كتاب سيد قطب “معالم في الطريق” الذي يعتبر الدليل الأول للحركة الإسلامية الراهنة.
وقد كان من تداعيات حرب 1967، أن فرضت واقعاً جيوسياسي ديمغرافي جديد على الدول العربية في كل من مصر وسوريا وكانت الأردن الأكثر تأثيراً بنتائج الحرب، فقد شهدت موجات من اللجوء الفلسطيني ، وساهم ذلك في تهيئة البيئة الخصبة لنشاط جماعات “الإسلام السياسي” ومنها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
ومع فشل المد اليساري والقومي بالتعبير عن مشاعر وتطلعات المجتمع، وبروز الصعوبات والتحديات الاقتصادية، زعمت الجماعة أن الدين والجماعات الدينية هي المخرج والحل، بيد أنها فشلت في تأطير هذه الشعارات ببرامج واضحة وواقعية، ما أفضى إلى تصاعد الجدل الفكري والتنظيمي داخلها لينقسم في اتجاهين:
الاتجاه الأول: كان يمثله اسحق الفرحان، يوسف العظم، وأحمد الأزايدة، ويدعو إلى الحوار مع الدولة والانخراط في المشاركة السياسية والتعاطي مع الدولة والأطراف السياسية الأخرى.
أما الاتجاه الثاني: والأكثر تشدداً في كان يمثله همام سعيد، ومحمد أبو فارس؛ الذي كان يرفض المشاركة السياسية والعمل العام لأنه “يساهم في ترقيع كيانات الجاهلية”. وقد كان هذا الاتجاه هو المسيطر على التنظيم، واحكم سيطرته بشكل كامل عام 1986 فخرج الكثير من المعتدلين، وتوترت الأجواء داخل التنظيم.
شهدت الفترة بين عامي 1984-1989، تراجعاً ملحوظاً في علاقة الإخوان بالدولة. وسطر العام 1989 وما بعده؛ علامة فارقة في تاريخ الحياة السياسية في الأردن، وفي تاريخ الإخوان المسلمين أنفسهم، فقد عادت الحياة النيابية وتم إقرار قانون الأحزاب السياسية و ألغيت الأحكام العرفية، وتبع ذلك إجراء انتخابات برلمانية في 10 ديسمبر، نتج عنها حصول جماعة الإخوان المسلمين على 22 ممثلاً، كان أبرزهم القيادي ألإخواني عبداللطيف عربيات الذي أصبح رئيسا لمجلس النواب.
شارك الأخوان في صياغة الميثاق الوطني وتحالفوا مع حكومة مضر بدران، الذي قام بتعديل حكومي أشرك فيه 5 من نواب من جماعة الإخوان المسلمين في حكومته يناير 1991، بهدف احتواء التوتر والحماس الشعبي الذي أخذ شكلا شعبياً مفعما بالقومية والحماس الديني والدعوة الى الجهاد أثر حرب الخليج والذي ساهم فيه جماعة الإخوان المسلمين بخطاباتهم الشعبوية.
أن الإخوان المسلمين في الأردن هم أهم أطراف ما يسمى بالإسلام السياسي المعاصر، أو ما يطلق عليه الآن عصر ما بعد الإسلاموية. وأنهم مروا خلال مسيرتهم قيد الدراسة (1946-1989م) بعددٍ من المحطات التاريخية الملتوية التي تبدل وتغيير فيها سلوكهم السياسي من جماعة تحظى برعاية ودعم الدولة والنظام السياسي بوصفها تنشط في المجال الدعوي والخيري الاجتماعي العام، وتجنب المشاركة في العمل السياسي المباشر، الى تنظيم سياسي براغماتي يسعى إلى السلطة.
طبيعة العلاقة مع الدولة:
إن طبيعة العلاقة بين الجماعة والنظام اتسمت بالتعايش بينهما هو العنوان الأبرز لتلك العلاقة، والذي كان كصورة شبه فريدة في العالم الإسلامي، وقد نقل عن النائب والوزير السابق الدكتور عبد الله العكايلة تحليله لعناصر ذلك التعايش بين الطرفين.
من أبرز عناصر التعايش تلك “إدراك الحركة الإسلامية ضعف إمكانات الدولة الأردنية واعتمادها على الدعم الاقتصادي الخارجي، وإدراك الحركة أن الأردن ليس له مقومات دولة إسلامية مما طمأن النظام، ومرونة النظام والحركة في أوقات الأزمات الحادة، واعتبار الحركة النظام الأردني أفضل من كل الأنظمة الأخرى التي بطشت في حكمها في المنطقة العربية”.
لكن هذه العلاقة القائمة على التعايش كما يقول الأخوان ، بعد دخول المنطقة في الاتفاقيات الدولية النافذة (معاهدات السلام)، أدت الى اتساع الهوة بين موقف الجماعة والتزامات النظام، وبدأ التحول التدريجي السلبي في العلاقة بشكل أوضح بعد مؤتمر مدريد وأوسلو والاستعداد لوادي عربة، حيث اتسعت وأصبحت شرعية وجود الجماعة في خطر.
- مدير مركز بديل للدراسات