اعتراف عالمي جماعي بالدولة الفلسطينية: رؤية واقعية أم طموح مثالي؟

الدكتور المحامي احمد الطهاروة – الأول نيوز –

لطالما مثّلت القضية الفلسطينية جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي، ومصدر توتر إقليمي ودولي مستمر منذ أكثر من سبعة عقود. وقد جُرّبت عشرات المبادرات والمفاوضات وخطط السلام منذ قرار تقسيم فلسطين عام 1947، لكن أيًّا منها لم ينجح في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أو تحقيق دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة. في السنوات الأخيرة، تعالت الأصوات من جديد نحو فكرة اعتراف عالمي جماعي جديد بالدولة الفلسطينية كخطوة حاسمة لحل هذه القضية. فهل يمكن أن يكون هذا الحل قابلًا للتطبيق؟ وما هي آلياته، وتحدياته، وانعكاساته على الواقع السياسي والقانوني في المنطقة؟

الاعتراف العالمي الجماعي يعني اتفاق أغلبية الدول الأعضاء في المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة ضمن حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. وهذا الاعتراف لا يكون سياسيًا فقط، بل يجب أن يتبعه خطوات قانونية وإجرائية في الأمم المتحدة، كقبول عضويتها الكاملة، وفرض معايير تعامل دولي جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي.

لتحقيق هذا الاعتراف، يمكن أن تُتبع بالمسارات التالية:
تحرك دبلوماسي جماعي من قبل دول الجنوب العالمي (أمريكا اللاتينية، أفريقيا، آسيا) للضغط داخل الأمم المتحدة.
مبادرة أوروبية موحّدة لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن والامتناع عن استخدام الفيتو من قبل الدول الغربية.
استراتيجية قانونية من السلطة الفلسطينية في المحاكم والمحافل الدولية لإثبات أن الاحتلال الإسرائيلي يتعارض مع قواعد القانون الدولي الإنساني، مما يمهد لمواقف أكثر تصلبًا من المجتمع الدولي.
توافق إقليمي عربي-إسلامي موحد، يعزز هذا التوجه ويدعمه سياسيًا واقتصاديًا.

رغم عدالة المطالب الفلسطينية، إلا أن عدة تحديات تعيق هذا المسار:
الانقسام الفلسطيني الداخلي واللوبي الإسرائيلي القوي وهيمنة المصالح السياسية والاقتصادية على القرارات الدولية، خاصة في مجلس الأمن. وضعف النظام القانوني الدولي في فرض تنفيذ القرارات ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إذا تحقق الاعتراف الجماعي، فإن نتائجه ستكون استراتيجية على عدة مستويات ، اهمها تثبيت وجود الدولة الفلسطينية قانونيًا، ومن ثم ملاحقة أي نشاط استيطاني أو عسكري إسرائيلي كعدوان على دولة ذات سيادة. وتحسين موقف الفلسطينيين في المفاوضات المستقبلية، حيث لن يتفاوضوا على “حق في دولة”، بل على “تفاصيل تنفيذ سيادة الدولة القائمة. وكذلك خلق عزلة دولية حقيقية على إسرائيل، تجعلها تتعرض لضغوط سياسية واقتصادية غير مسبوقة. وفتح المجال للمساءلة الدولية عبر محكمة الجنايات الدولية والمحاكم الدولية الأخرى.

من وجهة نظري، ان الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية لا يمثل الحل النهائي، بل يشكّل محطة مركزية وأساسية على طريق الحل الشامل. فهو لا يعالج قضايا جوهرية مثل القدس، وحق العودة، وتفكيك المستوطنات، وإنهاء الحصار على غزة، ولكنه يغيّر جوهريًا ميزان القوى القانوني والسياسي في صالح الشعب الفلسطيني، ويجعل الاحتلال الإسرائيلي موضع مساءلة دولية واضحة.

وأخيراً فإن الاعتراف العالمي الجماعي بالدولة الفلسطينية ليس حلمًا مستحيلًا، لكنه يتطلب إرادة فلسطينية موحدة، وحراكًا دبلوماسيًا ذكيًا، وتوظيفًا للقانون الدولي ومؤسساته بفاعلية. وفي ظل تغيّر المزاج الدولي بعد الحرب على غزة والتنديد الواسع بالانتهاكات الإسرائيلية، فإن الفرصة التاريخية قد تكون سانحة لتحويل هذا الطموح إلى حقيقة، ومن ثم إحداث تغيير جوهري في مسار الصراع، وإعادة الحق لأصحابه.

عن Alaa

شاهد أيضاً

بعيدا عن السوداوية…في عمق الإنجاز…الفوسفات تتألق

الأول نيوز – د.عبدالمهدي القطامين يتهمني أو يلوح بذلك بعض قرائي والكثير من المسؤولين بانني …