الأردن والعراق… شقيقان من رحمٍ واحد، وأخوّةٌ تجمعهما في التاريخ والمصير المشترك

الدكتور المحامي احمد الطهاروة – الأول نيوز-
في زمنٍ تتبدّل فيه التحالفات وتتغيّر فيه المواقف، تبقى العلاقة بين الأردن والعراق ثابتة الجذور، نابضة بالوفاء، راسخة على أسسٍ من التاريخ والدم والدين والمصير الواحد.
ولمن يتساءل: “نحن العراق، فمن هو الأردن؟” فالردّ واضح وبسيط: الأردن هو شقيق العراق. تاريخهما مشترك، وقيمهما واحدة، لا يربطهما فقط الجوار الجغرافي، بل يجمعهما مسار حضاري، إسلامي، وإنساني طويل.
لطالما كانت أرض الأردن مهبطًا للرسالات، ومسرحًا لأنبياء الله. فالنبي نوح عليه السلام له ضريح في الكرك، والنبي إبراهيم عليه السلام مرّ بالأردن وعاش فيه قبل أن يُدفن في الخليل، والنبي لوط عليه السلام عاش في غور الأردن حيث دمّر الله قومه بسبب عصيانهم، ويوجد كهف يُنسب إليه. أما مقام النبي شعيب عليه السلام فهو في وادي شعيب، والنبي موسى عليه السلام توفي على جبل نيبو في مادبا، والنبي هارون عليه السلام دُفن قرب البتراء، إضافةً إلى آثار ومقامات للأنبياء: أيوب، يوشع، إلياس، الخضر، يحيى، وعيسى عليهم السلام. وسيد الخلق محمد ﷺ مرّ بأرض الأردن والتقى فيها الراهب بَحيرى.
كما يحتضن الأردن مقامات العديد من الصحابة الكرام، في مشهدٍ يُجسد البعد الديني والروحي العميق للأردن في التاريخ الإسلامي، ومن أبرزهم: زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وأبو عبيدة عامر بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة.
شهد الأردن أقدم الاستيطانات البشرية؛ إذ تعود الآثار المكتشفة إلى العصر الحجري القديم (نحو 90 ألف سنة قبل الميلاد). ومن أهم تلك المواقع “عين غزال” في عمّان، التي تُعدّ من أكبر المستوطنات النيوليثية في الشرق الأدنى. كما شهد حضارة المؤابيين في الكرك، حيث انتصر الملك الأردني المؤابي ميشع على الجيش الإسرائيلي في وادي عربة عام 840 قبل الميلاد، كما تؤكد “مسلة ميشع” المعروضة اليوم في متحف اللوفر بباريس. وشهد الأردن حضارة الأنباط العرب الذين اتخذوا من البتراء عاصمة لهم، وهي إحدى عجائب الدنيا السبع الحديثة.
شهد الأردن أيضًا معركتي مؤتة واليرموك، وهما من أعظم معارك التاريخ الإسلامي، ومهدتا للفتوحات الإسلامية وبداية انحسار الإمبراطورية الرومانية. والأردن هو رمز الصمود في وجه الحملات الصليبية، وتؤكد ذلك قلاع الكرك وعجلون والشوبك.
الأردن هو وطن الثورة العربية الكبرى، التي كانت انطلاقة نحو تحرر الأمة العربية وسعيها للوحدة والازدهار. وخاض الأردن معارك بطولية في باب الواد واللطرون عام 1948 على أسوار القدس، حيث انتصر الجيش العربي المصطفوي، محافظًا على عروبة القدس والضفة الغربية. كما سطّر الجيش الأردني ملاحم البطولة في معركة الكرامة عام 1968، التي أعادت للوجدان العربي ثقته بنفسه.
ولمن لا يعلم، فإن الأردن والعراق يجمعهما تاريخ مشترك وجذور واحدة. فبعد انهيار الدولة العثمانية، تولّى الهاشميون حكم الدولتين: الأمير فيصل في العراق، والأمير عبد الله في الأردن. وشهد البلدان وحدة حقيقية عام 1958، وإن لم يكتب لها الاستمرار.
كما تربط البلدين أواصر اجتماعية وثقافية وثيقة، حيث تمتد العشائر والقرابات على جانبي الحدود، ويحتضن الأردن جالية عراقية كبيرة، مما يُعمّق الروابط الثقافية والإنسانية. ويُعدّ التعليم والرعاية الصحية في الأردن وجهة لآلاف العراقيين سنويًا.
ولمن لا يعلم أيضًا، فإن الأردن كان دائمًا شريكًا أمينًا في أمن العراق. فعلى مدى عقود، أثبت الأردن أنه سندٌ حقيقي للعراق، حافظ على حدود آمنة بطول 181 كم دون أن تنطلق منها أي تهديدات تمسّ أمنه. كما رفض المشاركة في حرب الخليج عام 1991 رغم الضغوط، ودفع ثمن ذلك حصارًا قاسيًا دام سبع سنوات. كما رفض الأردن المشاركة في احتلال العراق عام 2003، واستقبل مئات الآلاف من اللاجئين الشيعة في التسعينيات، واللاجئين السنة بعد 2003، هاربين من الاستبداد والإرهاب والطائفية.
في الختام، نقول إن علاقة الأردن بالعراق ليست وليدة مصلحةٍ طارئة أو تقاطعٍ سياسي مؤقت، بل هي أخوّةٌ متجذّرة في أعماق التاريخ، تعمّدت بالدم في ساحات القتال، وتوطدت بأواصر القربى والرحم. من يشكك في عراقية العراق أو عروبة الأردن، إنما يجهل تاريخ أمةٍ ويغفل عن شواهد الأرض، والأرض لا تكذب.

عن Alaa

شاهد أيضاً

خريجو الكلية العلمية الاسلامية ضيوف الديوان

حاتم الزعبي – الأول نيوز – قام وفد من نادي خريجي الكلية العلمية الإسلامية، برئاسة …