الاول نيوز – د. حسين سالم السرحان
في مساء الثاني والعشرين من يونيو 2025، تحوّلت لحظة صلاة في كنيسة القديس مار إلياس للروم الأرثوذكس بحي الدويلعة في دمشق إلى فاجعة وطنية، بعدما فجر إرهابي تابع لتنظيم “داعش” نفسه داخل الكنيسة التي كانت تحتضن أكثر من 350 مصلٍّ من أبناء الشعب السوري. الهجوم أسفر عن سقوط 22 شهيدًا و63 جريحًا، في واحدة من أعنف الهجمات التي استهدفت العاصمة منذ سنوات، وأكثرها دموية بحق مكانٍ مقدّس.
لم يكن هذا التفجير مجرد عمل إجرامي يستهدف مجموعة من المدنيين أثناء عبادتهم، بل كان رسالة صريحة من قوى الظلام التي ما زالت تراهن على تمزيق النسيج السوري، وإعادة إشعال نار الطائفية التي عانى منها الوطن طيلة سنوات الحرب. فالكنيسة التي صمدت في وجه الرياح لعقود، والتي كانت رمزًا من رموز التعدد السوري والتسامح الديني، تحوّلت في لحظة إلى مرآة تعكس قبح الإرهاب وفشل من يقف خلفه في فهم جوهر سوريا المتجذر في التعايش والتنوع.
إن استهداف دار عبادة، أياً كان انتماؤها الديني، هو استهداف لقيم العيش المشترك والتسامح، وهو طعن في ضمير الوطن الذي لم يعرف عبر تاريخه إلا التعدد كقوة، والاختلاف كغنى إنساني وثقافي. الهجوم يأتي في وقت حرج، تسعى فيه سوريا إلى الخروج من آثار الحرب الطويلة، وتعمل فيه الدولة والمجتمع على ترميم جراح الداخل وبناء مستقبل قائم على المصالحة الوطنية، وإعادة الإعمار، والانفتاح الداخلي.
لكن كما في كل مرة، يقف السوريون صفًا واحدًا في وجه المحنة. لم تكن دماء الشهداء في كنيسة مار إلياس دماءً مسيحية فحسب، بل كانت دماء سورية صافية، تنتمي لوطن واحد وقضية واحدة. لقد أثبت السوريون في كل المحطات أن الإرهاب لا يفرّق بين مسجد وكنيسة، ولا بين مسلم ومسيحي، بل يستهدف الجميع من دون تمييز، مستهدفًا هوية سوريا الجامعة.
أمام هذا المشهد المؤلم، لا يكفي أن تكتفي الجهات الدولية بإصدار بيانات الإدانة. سوريا، وهي تبني مستقبلها وسط كل هذا الدمار، بحاجة إلى دعم حقيقي وفعّال في معركتها ضد الإرهاب، ودفاعها عن حقها في الاستقرار والكرامة. إن صمت العالم أو حياده أمام هذه الجرائم لا يخدم سوى المتطرفين وأجنداتهم.
ما حدث في كنيسة مار إلياس ليس مجرد جريمة، بل جرس إنذار يدق في ضمير كل من يؤمن بالإنسانية، وكل من يؤمن بأن الأوطان تُبنى على المحبة والعدالة، لا على الفتنة والعنف. فالدم الذي سُفك في تلك الليلة الحزينة، هو دم وحدة وطنية، وصرخة في وجه الطائفية، ودعوة إلى التماسك واليقظة.
رغم الجراح، ستبقى سوريا عصيّة على الانقسام، منيعة أمام محاولات التخريب، قوية بوحدة شعبها. ففي وجه رصاص الكراهية، تبقى أرواح المحبة هي الأعلى صوتًا، وحين تُستهدف الصلاة، تتكلم الإنسانية بصمتها الجريح. لذلك، لا تتركوا الفتنة تتسلل من نوافذ الصمت. أعيدوا لسوريا وجهها الجميل، بالمحبة والتآخي والتنوع، بعيدًا عن الانغلاق والكراهية.
حمى الله سوريا.