الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب
منذ ما يزيد على 17 عامًا، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت حصار قاسٍ وهجمات عسكرية متكررة، لكن اللافت في هذا المشهد المأساوي ليس فقط حجم العنف، بل طبيعته القاسية التي تتجاوز الضرورات العسكرية، والتي يصفها بعض المراقبين بأنها تتسم بطابع “سادي”، أي أنها تسعى للإيذاء من أجل الإيذاء، ولتحقيق مكاسب نفسية أو سياسية على حساب المدنيين العُزّل.
“العقاب الجماعي” كأداة سياسية
الاستهداف المتكرر للبنية التحتية المدنية – من منازل ومدارس ومستشفيات – لم يعد يُفهم فقط في سياق المواجهة العسكرية، بل بات أداة لإخضاع مجتمع بأكمله.
تُستخدم هذه الاستراتيجية لخلق بيئة من الرعب، ودفع الناس للانهيار النفسي والاجتماعي، وهو ما يُعرف في الأدبيات السياسية بـ”إرهاب الدولة”.
كما تُستخدم المعاناة الجماعية في غزة لأغراض سياسية داخلية في إسرائيل، حيث يُلاحظ تزامن التصعيد مع أزمات سياسية داخلية، لتكريس رواية “الحسم بالقوة”، مما يعكس استثمارًا في الألم الفلسطيني لخدمة أجندات حزبية.
قانونيًا: بين جرائم الحرب والإبادة
وفق القانون الدولي الإنساني، فإن استهداف المدنيين، والحصار طويل الأمد، واستخدام الأسلحة المحرّمة، تدخل جميعها ضمن تصنيف جرائم الحرب.
وقد وثّقت منظمات دولية مرموقة مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” انتهاكات جسيمة بحق سكان غزة، تتكرر بلا محاسبة فعلية.
الأخطر من ذلك، أن بعض التصريحات العلنية الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين – والتي تتحدث عن “محو غزة” أو “إخضاعها الكامل” – قد تُستخدم أمام المحاكم الدولية كدلائل على نية الإبادة الجماعية، وهو ما دفع دولة جنوب إفريقيا إلى رفع دعوى رسمية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية عام 2024، بتهمة ارتكاب أعمال إبادة بحق الفلسطينيين في غزة.
حين يُصبح التاريخ مرآة للحاضر
الممارسات الحالية بحق غزة تُعيد للأذهان مشاهد تاريخية مأساوية:
حصار لينينغراد من قبل النازيين، حيث جُوّع السكان عمدًا لإخضاع المدينة.
سربرنيتسا في البوسنة، حيث ارتُكبت مجزرة على أساس عرقي ضد المدنيين.
نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا، حيث طُبّقت سياسة تمييز منهجية لسنوات طويلة.
هذه الحالات قادت إلى محاكمات دولية، وجعلت من بعض قادة الأنظمة الجائرة رموزًا للعار في الذاكرة الإنسانية. فهل يمضي المجتمع الدولي بنفس العزم
تجاه ما يحدث في غزة
الخاتمة: إنقاذ العدالة قبل فوات الأوان
السكوت على السادية السياسية الممارسة ضد غزة ليس فقط خذلانًا لأهلها، بل تهديدٌ مباشر لفكرة العدالة الدولية ذاتها.
ما يحتاجه العالم اليوم ليس بيانات تنديد