التجويع… سلاح الجبناء وأحقر صور القوة

الاول نيوز – صلاح ابو هنود-
مخرج وكاتب

في زمن الانحطاط السياسي الذي نعيشه، لم تعد الأسلحة تقتل الأجساد فقط، بل باتت تُسحق الأرواح قبل أن يذبل الجسد. في مقدمة هذه الأسلحة القذرة يتربّع “سلاح التجويع”، أداة الضعفاء الذين يرتدون قناع القوة، وخنجر الطغاة الذين يخشون مواجهة الشرفاء في ميادين القتال.

التجويع هو إعلان رسمي بفشل الأخلاق. هو الخيانة العظمى للإنسانية باسم المصالح، وباسم الأوطان، وباسم الرب أحيانًا.
حين يتحول الجوع إلى استراتيجية
الحصار في اللغة العسكرية القديمة كان تكتيكًا لإضعاف الجيوش… أما في حروب اليوم، صار التجويع استراتيجية إبادة جماعية. لا يقتل العدو في ميدان القتال، بل يقتل الأمهات في بيوتهن، يحاصر الأطفال في أحضانهم، يُميت الشيوخ وهم يتضرعون لكسرة خبز أو جرعة دواء.
سوريا جُوّعت فمات أطفال مخيم اليرموك ببطون خاوية. العراق عوقب بحصار أدى إلى موت مليون طفل، تحت سمع العالم وبصره. اليمن تحول إلى مسلخ جوع… وغزة، غزة وحدها تُذبح اليوم ببطء أمام كاميرات العالم.
هذا ليس قتالًا… هذا ليس صراع حضارات… هذا سحقٌ متعمّد لكرامة الإنسان.
التجويع… حين يكون القاتل جبانًا
من يحمل السلاح في وجهك، على الأقل يعترف بوجودك. من يجوعك، ينكرك، ينفي وجودك، يحولك إلى كومة لحم تنتظر الإذلال أو الموت.
التجويع هو سلاح الجبان:
– الجبان الذي يخاف من كرامتك في المواجهة.
– الجبان الذي لا يستطيع كسب معركة الإرادة.
– الجبان الذي لا يجرؤ على النقاش ولا يحتمل حوار الأحرار.
التجويع يقول بصوت واضح: “أنا أقتلك دون أن أراك، أخنقك دون أن أسمعك، أدفنك وأنت تمشي حيًّا.”
من يمارس التجويع مجرم حرب، ومن يصمت شريك في الجريمة
من يقرر التجويع مجرم، ومن يصمت عليه شريك. كل نظام يقطع الطعام والدواء عن شعبه، كل محتل يغلق الممرات، كل دولة تبرر الحصار الاقتصادي، كل منظمة دولية تغض الطرف عن مجاعات مصنوعة — كل هؤلاء شركاء في قتل الإنسان.

وأسوأ القتلة أولئك الذين يجلسون على منابر الفقه والدين ويبحثون فتاوى تبرر القتل بالجوع… هؤلاء هم سَفَلة العصر.

التجويع ليس قدَرًا… إنه خيارُ قَتَلَة

ما من مجاعة إلا وكانت مصنوعة. ما من طفل يموت جوعًا إلا وكان في مكان ما قرار سياسي بقتله. الجوع سلاح لا يُستعمل إلا حين يعجز الحاكم، حين ينهار الاحتلال، حين تفشل الدول.

التجويع ليس قدَر الشعوب… إنه خِسّة الطغاة.

التجويع لا يسقط الأوطان فقط… بل يسقط الكرامة. ولهذا، كل معركة حرية تبدأ بإسقاط سياسة الجوع، وبفضح أولئك الجبناء الذين يحكمون الناس ببطون خاوية.

عن Alaa

شاهد أيضاً

مهرجان جرش … علامة أردنية فارقة !!

الأول نيوز – محمد داودية نسأل، ومهرجان جرش على أهبة الإنطلاق: هل يجوز ان نلوذ …