أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – نمرّ بمرحلة في غاية الحسّاسية، لا ينفع فيها الجَلْد، وتوزيع الاتّهامات، وتحميل المسؤوليات، إنّما نحتاج إلى رصّ الكتف إلى جانب الكتف، لنخرج من قعر الزجاجة.
الحكومة، مُتهيّبة من مواجهة تداعيات التطورات في فلسطين وسورية والمحيط الملتهب، ومن تراجع حاد في الأوضاع السياحية التي تعتبر أكبر داعم للموازنة، يترافق ذلك مع ما كشفه التقرير السنوي لنظام المدفوعات الوطني، الصادر عن البنك المركزي، عن ارتفاع “خدمة الدين العام” 14.4% العام الماضي، موازنة بعام 2023
والنّواب غائبون كثيرا بعد انتهاء الدورة البرلمانية وعدم التفكير بدورة استثنائية، وسيوصمون بأنهم أكثر المجالس النيابية نحسًا، فيهوى بعضهم ممارسة تسجيل المواقف بلا تدقيق في المعلومات، وكثير منهم يرجح الرحيل المبكر بعد أزمة الجماعة المحظورة، وقلق نواب جبهة العمل الإسلامي من الفصل، وصعوبة التفكير في تغطية الفصل من النواب الذين لم ينجحوا وكانوا في المرتبة الثانية بعد نواب الجبهة.
المعارضة، التي لم يبق منها شيئا بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين، وانتظار حزب جبهة العمل الإسلامي مصيرهم بعد ذلك، لا تسمع من غيرهم شيئا.
في هذا الوقت الصعب، نحتاج إلى عقلاء وحكماء ومخلصين، قلوبهم واجفة على الوطن، لا على أجندات أخرى، نحتاج إلى أصحاب آراء مخلصين منتجين، لا إلى أصحاب؛ “نَعم سيدي”.
أُتْخمنا بقرارات التنفيع والتزبيط، وتوزيع المغانم إلى الأصدقاء والأقارب، أصبحنا نقتنع، (رضينا أم لم نرض) بألّا حل لأزماتنا الاقتصادية إلّا بالخنوع لوصفات صندوق النقد والبنك الدّوليين، وأنهما قَدرنا بعد أن وصلت أوضاعنا حدًا لا يمكن له أن يستمر.
نحتاج إلى مخلصين وعقلاء وحكماء وخبراء في بطانة صانع القرار، أولوياتهم وطنية، وهمّهم المواطن ومستقبله، وثوابت بوصلتهم لا تخطئ، شخصيات سِجلّاتهم نظيفة، لا تدور حولهم شبهات، مترفعين عن التنفيع، والمكاسب الشخصية.
نحتاج إلى عقول سياسية، لا موظفين اقتصاديين ناجحين في مشروعاتهم الخاصة من دون أظهر تساندهم، نجدهم مع الوطن إذا ناداهم، لا مع جنسياتهم الأخرى إذا ضُغط عليهم، وإلى إصلاحيين حقيقيين، لا أعداء للإصلاح، يقودون مسيرة الإصلاح، يمارسون الديمقراطية دائمًا، ليسوا من مشجعي الأحكام العُرفية.
هؤلاء العقلاء والحكماء ليسوا فقط في بطانة صانع القرار، بل نحتاجهم في المؤسسات الوطنية كلها، في الأحزاب والنقابات، في الحراكات ومؤسسات المجتمع المدني، في مفاصل حياتنا جميعها.
كانت مسيرة الإصلاح التي انطلقت في البلاد بعد هبّة نيسان ومغادرة الأحكام العرفية فتحًا جديدًا في تفكير وعقل الدولة، إلّا أن خطوات المسيرة الإصلاحية تعثّرت كثيرًا، وتباطأت أكثر، وقوِيت شوكة قوى الشد العكسي أكثر وأكثر.
الحديث عن الإصلاح يبقى ناقصًا إذا لم يترافق مع إصلاح اقتصادي حقيقي يحمي حياة المواطنين المعيشية ، ويحفظ كرامتهم من العوز والحاجة، وهذا أيضًا لن يتحقق إذا لم نشعر جميعًا بأن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين أولوية قصوى، يجب ألّا يتم التعامل معها بالقطعة وحسب الوزن.
نريد عقلاء يمنعون الكوارث قبل وقوعها، وقبل أن يُنقل المايكروفون من العقلاء إلى النشطاء في الشارع.
الدايم الله….