الأول نيوز – الدكتور أحمد ناصر الطهاروه – لطالما كان الأردن، هذه المملكة الهاشمية الصغيرة في قلب الشرق الأوسط، محط أنظار الكثيرين، ليس فقط لإنجازاته وصموده، بل لما يصفه البعض بـ»الكره» الذي يوجه إليه. ولكن هل هذا الكره حقيقي، أم أنه تعبير عن إحباط من فشل محاولات زعزعة استقراره؟ يبدو أن الإجابة تكمن في تميز الأردن نفسه، وفي قدرته الفريدة على الصمود في وجه التحديات التي عصفت بالمنطقة.
في منطقة تتلاطم فيها أمواج الاضطرابات
والصراعات، يبرز الأردن كنموذج للاستقرار. لعقود طويلة، لم تشهد شوارع المملكة إطلاق رصاصة واحدة في صراعات داخلية، في مشهد نادر الحدوث في العالم العربي. هذا الهدوء والأمان ليس مجرد صدفة، بل هو نتاج حكمة سياسية والتزام وطني يضمن أمن المواطن وسلامة الدولة. هذا الاستقرار، الذي يحسد عليه الكثيرون، قد يكون بحد ذاته سببًا في «كره» من يروجون للفوضى ويسعون لزعزعة المنطقة.
الأردن لم يكن أبدًا أسيرًا لحكم الحزب الواحد، وهو دولة لا تقدس الأشخاص بقدر ما تقدس المؤسسات والقانون. هنا، الأولويات إنسانية واجتماعية تضع المواطن في صميم اهتمامات الدولة. هذه القيم الأساسية قد تكون مزعجة لأولئك الذين يفضلون القمع والتفرد بالسلطة.
يهاجمون الأردن لأنه نجح حيث فشل الكثيرون؛ في صياغة وحدة وطنية حقيقية. في الأردن، كل الاردنيون شركاء في الغنم والغرم، في الحب والمواطنة والكبرياء. في نسيج اجتماعي متماسك يتجاوز الانتماءات الضيقة. لقد سقطت أحلامهم السوداء أمام حقيقة صلابة هذه الوحدة وقوتها، وفشلوا في تقسيم سكانه وتفتيتهم، وهذا يثير حفيظة من يسعون إلى إشعال الفتن الداخلية.
لعل من أهم أسباب هذا «الهجوم الإلكتروني» هو فشل البعض في تحويل الأردن إلى «جمعية» تُصادر فيها الممتلكات باسم الشرع والدين، حيث يتم تصنيف الناس إلى «صالح وطالح»، وتُوزع صكوك الكفر والنجاة على الشعب. الأردن يرفض هذه الذهنية الإقصائية، ويسعى لبناء دولة مدنية حديثة قائمة على المواطنة المتساوية، وهذا ما يثير استياء من يرغبون في فرض أيديولوجياتهم المتطرفة.
يهاجمون الأردن بسبب التلاحم الذي لا ينفك بين القوات المسلحة والشعب، هذه المقولة تختصر عمق العلاقة بين المؤسسة العسكرية والشعب الأردني، وولائهم المطلق للوطن وقيادته. على عكس رغبة البعض في تحويل القوى الأمنية إلى «مليشيات عقائدية» ترتهن لجهات خارجية وتنفذ أجندات معينة، يظل الجيش الأردني حصنًا وطنيًا منيعًا، يرفض أي تدخل في شؤونه أو توجيهاته.
لقد فشل أعداء الأردن في استباحة الحقائق فيه، وفي استباحة الشوارع، وفي إنتاج راية أخرى تنافس رايته. الأردن ليس بالوطن الهش ولا التابع؛ هو ليس مزرعة يتقاسم فيها الآخرون المحاصيل. الأردن وطن قوي، ذو أنياب لم تتكسر.
يكرهونه لأن شعبه لا يموت، فجسد كل شهيد حين يودع البلد ويلتحف التراب الأردني، تولد في كل ذرة من هذا التراب ألف طلقة وألف بندقية وألف سيف. ستبقى انتصارات مؤتة واليرموك التي كسرت شوكة المحتل.
في الختام، قد يكون «كره» الأردن ليس إلا اعترافًا بقوته وصموده، وبقدرته على الحفاظ على هويته واستقراره في وجه كل التحديات. فكلما أوغل هؤلاء في الكره، ازداد الأردني قوة وتعلقًا بأرضه وقيادته.
