صلاح أبو هنود – الأول نيوز –
مخرج وكاتب
في كل صفحة من صفحات التاريخ، يظهر نفس المشهد: قوى عظيمة تظن نفسها خالدة، فتتمادى في عنجهيتها، ثم تبدأ رحلة السقوط من حيث لا تدري. من روما التي توسعت حتى انفجرت، إلى الاستعمار الأوروبي الذي ظن أن العالم مزرعته الخاصة، إلى الاتحاد السوفييتي الذي لم يرَ الشقوق في جدرانه إلا بعد الانهيار… والآن، يبدو أن إسرائيل تقف في النقطة ذاتها من المنحنى.
خطاب قادتها وأداؤهم يعكسان قناعة مطلقة بأنهم قادرون على كسر أي مقاومة بالقوة، وأن العالم سيبقى صامتًا. لكن الواقع يروي قصة أخرى
أسطورة “الجيش الذي لا يُهزم” تتهاوى أمام الاستنزاف في غزة ولبنان.
الشك يتسرب إلى المجتمع الإسرائيلي حول جدوى الحروب الطويلة بلا نصر حاسم.
الرأي العام العالمي، خاصة بين الشباب في الغرب، ينقلب تدريجيًا عليها.
الأخطر أن الغرور فتح أمامها جبهات متعددة في وقت واحد: غزة، لبنان، اليمن، العراق، وسوريا… بل تجاوز الأمر إلى تهديد الدول التي وقعت معها معاهدات واتفاقيات سلام، في خطوة تكشف أن الغطرسة باتت سياسة رسمية حتى تجاه الشركاء الذين وفروا لها الاعتراف والشرعية.
هذا السلوك ليس استثناءً في التاريخ، بل قاعدة متكررة: حين تنغمس أي قوة في الاستعلاء، تبدأ في فقدان الحلفاء، وتجد نفسها وحيدة في مواجهة العالم. ومع تراكم العزلة السياسية والاقتصادية، يتسارع العد التنازلي مهما طال زمنه.
التاريخ لا يرحم، وما يكتبه الآن عن إسرائيل قد يكون فصلًا طويلًا، لكنه في النهاية فصل عن قوة ظنت أن الغرور هو المجد… فاكتشفت أنه بداية النهاية.