استحداث خدمة العلم في الأردن: بين مقتضيات الأمن وتعزيز الهوية الوطنية

 

الدكتور المحامي أحمد الطهاروة – الأول نيوز –

 

لم يكن قرار استحداث خدمة العلم في الأردن، والذي أعلن عنه سمو ولي العهد، قرارًا عابرًا أو استجابة ظرفية لتهديد سياسي أو أمني، بل هو خيار استراتيجي يعبّر عن رؤية عميقة للدولة الأردنية في مواجهة تحديات الداخل والخارج. فالأردن، الذي طالما شكّل نموذجًا في الاستقرار وسط إقليم مضطرب، يقرأ المتغيرات بدقة، ويستبق الأحداث بخطوات مدروسة تحفظ أمنه وتعزز تماسك جبهته الداخلية.

إعادة خدمة العلم ليست مجرد تدريب عسكري قصير المدى، بل هي رسالة واضحة بأن الأردن يأخذ التهديدات الإسرائيلية والإقليمية على محمل الجد. فالخطاب العدواني الصادر عن حكومة الاحتلال، بقيادة نتنياهو والمتطرفين، ليس جديدًا، لكنه اليوم يتخذ منحًى أكثر خطورة. ومن هنا تأتي خدمة العلم كخيار ردع معنوي وعملي، يعزز ثقة المواطن بقدرة الدولة على الدفاع عن الوطن.

خدمة العلم تسهم أيضًا في معالجة تحديات اجتماعية واقتصادية ملموسة. فهي فرصة لإعادة الانضباط والالتزام لدى جيل الشباب، وغرس قيم العمل الجماعي، والاعتماد على الذات، والاعتزاز بالهوية الوطنية. إضافة إلى ذلك، فإن البرنامج يفتح الباب أمام تأهيل الشباب بمهارات مهنية وفنية، تجعلهم أكثر قدرة على دخول سوق العمل، بما يخفف من أزمات البطالة والتسرب.

التحاق الشباب بخدمة العلم يرسخ روح الانتماء للوطن، ويعيد إلى الأذهان إرث الجيش العربي المصطفوي الذي صان الأردن وخاض معارك البطولة من الكرامة إلى الدفاع عن فلسطين. إن استحضار هذه الروح يبعث برسالة بأن الأردن، بقيادته وشعبه، ليس ساحة رخوة، بل قلعة منيعة في وجه الطامعين.

الجدير بالذكر أن استحداث خدمة العلم بصورتها الجديدة لا يعني اقتصارها على الجانب العسكري فحسب، بل هي مزيج من التدريب العسكري والتأهيل المدني. هذا التوازن يمنحها بعدًا شموليًا يجعلها أكثر قبولًا لدى الشباب، وأكثر انسجامًا مع متطلبات الدولة الحديثة.

ان إعادة خدمة العلم في الأردن ليست خطوة إلى الماضي، بل هي استثمار في المستقبل. إنها مشروع وطني جامع، يهدف إلى بناء الإنسان الأردني الملتزم، الواعي، القادر على مواجهة التحديات، والمدافع عن وطنه وقيمه. وبقدر ما تحمل هذه الخطوة من بُعد أمني، فإنها تحمل أيضًا بُعدًا إنسانيًا واجتماعيًا يعزز مكانة الأردن كدولة قوية، متماسكة، وراسخة الجذور.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الذكاء الاصطناعي والترويج للسياحة

   الأول نيوز – د. مارسيل جوينات لم يعد الذكاء الاصطناعي بعيدا عن أهدافنا اليومية …