أمريكا وإسرائيل: رقبة العدالة المكسورة

صلاح ابو هنود – الأول نيوز –

كاتب ومخرج

 

أي مشهد أكثر عبثية من أن تفرض دولة كبرى عقوبات على قضاة محكمة قضائية دولية وُلدت من رحم فكرة العدالة الإنسانية؟

إنها ليست عقوبات على اقتصاد، ولا على تجارة، ولا على سلاح نووي. بل على العدالة نفسها.

فما الذي يخيف واشنطن حتى تُعاقب قضاة محكمة لا تملك جيوشاً ولا أساطيل؟

الجواب واضح: الاقتراب من إسرائيل.

من هنا يصبح القضاء رمزاً للتبعية: قضاء يُخنق كي يظل أداة مطواعة في يد السياسة.

ولأن القضاء أسمى ما يُفترض أنه محايد، فإن المساس به يكشف أن النظام الدولي كله مُصادر، وأن ميزان العدالة معلق على حبل مشدود بين تل أبيب وواشنطن.

علاقة أمريكا بإسرائيل ليست علاقة دولة بحليفها العادي. إنها علاقة فريدة تُربك حتى أدوات التحليل السياسي.

من ناحية، أمريكا هي من تمدّ إسرائيل بالدعم العسكري والاقتصادي والغطاء السياسي، حتى باتت بمثابة “جهاز تنفس صناعي” يمدّها بالحياة.

ومن ناحية أخرى، إسرائيل تمسك بخيوط دقيقة داخل واشنطن: لوبيات نافذة، إعلام ضاغط، مال انتخابي، وشرعية دينية–سياسية عند قطاعات من المجتمع الأمريكي

وهكذا نجد أن أمريكا تمسك برقبة إسرائيل بالقوة المادية، بينما إسرائيل تمسك برقبة أمريكا بالقوة الرمزية والنفوذ الداخلي

المفارقة أن هذه العلاقة لا تقوم على التبعية الأحادية، بل على نوع من الأسر المتبادل.

أمريكا، رغم قوتها، تبدو أسيرة إسرائيل سياسياً وإعلامياً.

وإسرائيل، رغم نفوذها، تبقى بلا غطاء عسكري واقتصادي لولا واشنطن.

إنها رقبتان مربوطتان بحبل واحد، كل طرف يظن أنه المتحكم، لكنه في العمق ممسوك هو الآخر

حين تصبح المحكمة الجنائية الدولية – رمز العدالة – هدفاً للعقوبات، فهذا يعني أن القانون الدولي نفسه صار رهينة.

لم يعد الحق هو ما ينص عليه الميثاق، بل ما يرضى عنه البيت الأبيض وما تسمح به تل أبيب.

وحين يتحول القضاء إلى رهينة، ندرك أن العالم لا يُحكم بالعدالة، بل بالتوازن بين المصالح والضغوط.

إن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل ليست سؤال قوة فقط، بل سؤال عدالة أيضاً

فالقوة قد تتبدل، لكن انكسار العدالة أخطر؛ لأنه يعني أن العالم كله يعيش تحت سلطة ميزان مائل.

وهنا نفهم أن العقوبات على المحكمة ليست مجرد إجراء سياسي، بل شهادة على أن العدالة نفسها تُعاقَب إذا اقتربت من إسرائيل.

وبين واشنطن وتل أبيب، تظل رقبة العدالة هي المكسورة، والإنسانية كلها هي التي تدفع الثمن

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

إِنفاقٌ وإِغداق !!

محمد داودية – الأول نيوز – نتعرض إلى حملات منظمة مدفوعة الأجر، تتخصص في تشويه …