الاول نيوز – المهندس شاكر خليف –
يشهد قطاع الإنشاءات في المملكة العربية السعودية طفرة غير مسبوقة، مدفوعة برؤية 2030 الطموحة ومشاريعها العملاقة التي تقدر بمليارات الدولارات و تؤكد الأرقام حجم هذه النهضة غير المسبوقة في المملكة العربية السعودية؛ فوفقًا لتقارير متعددة، يقدر حجم قطاع الإنشاءات بأكثر من 104 مليارات دولار في عام 2024، مع توقعات بأن يصل إلى 148 مليار دولار بحلول عام 2029 ، كما تم منح عقود إنشاءات بقيمة إجمالية تجاوزت 807.75 مليار ريال سعودي خلال السنوات الخمس الماضية .
*تحديات وفرص تصدير الخدمات الهندسية الأردنية …*
إن السؤال الأهم يكمن في مدى جاهزية القطاع الهندسي الأردني للاستفادة من هذه الفرصة وكيف يمكن لنقابة المهندسين الأردنيين أن تلعب دورًا محوريًا في التشبيك، وتأهيل الكوادر، وبناء بيئة تساعد على فتح آفاق وفرص للمكاتب الهندسية والعاملين فيها .
تاريخيًا، بدأت العديد من الشركات الهندسية الأردنية، سواء في قطاع الاستشارات أو المقاولات، رحلتها في توسيع نطاق خدماتها للسوق الخليجي وغيره من الأسواق العربية المحيطة وهذه المبادرات الفردية التي جاءت باجتهاد من أصحاب هذه المؤسسات والشركات تستحق منا بلا شك الدراسة والوقوف عندها للتعلم منها. ومع ذلك فإن الاعتماد على المبادرات الفردية وحدها قد لا يكون كافياً للاستفادة القصوى من الفرص المتاحة وهنا تبرز الحاجة الملحة لوضع خطة ممنهجة من خلال القائمين على قطاع العمل الهندسي في الأردن وبالتشارك مع كل الجهات ذات العلاقة وذلك لوضع أسس لتأهيل المكاتب والشركات و حتى الأفراد وتوفير التسهيلات اللازمة .
*النهضة العمرانية السعودية … فرصة استراتيجية*
إن النهضة العمرانية في المملكة العربية السعودية تمثل فرصة تاريخية للمهندسين والشركات الهندسية الأردنية وهي دعوة لنا لإعادة تقييم قدراتنا وتطوير مهاراتنا، وتوحيد جهودنا ، فبدلاً من الاكتفاء بالمبادرات الفردية، حان الوقت لوضع استراتيجية وطنية شاملة لتصدير الخدمات الهندسية الأردنية، تستند إلى رؤية واضحة، وتخطيط منهجي، ودعم مؤسسي من قبل نقابة المهندسين الأردنيين حيث يجب أن تركز هذه الاستراتيجية على بناء القدرات البشرية من خلال برامج تأهيل وتدريب متقدمة، تتوافق مع أحدث المتطلبات التكنولوجية والسوقية في السعودية ، كما يجب أن تعمل على تعزيز التعاون بين الشركات الهندسية الأردنية ، وتشجيع الائتلافات والاندماجات التي تمكنها من المنافسة بفعالية في المشاريع الكبرى وأخيرًا، لا بد من تفعيل دور النقابة والجهات الحكومية والمؤسسات المعنية في تسويق هذه الخدمات، وفتح الأبواب أمام الشركات الأردنية للمشاركة بفاعلية في بناء مستقبل المنطقة ، فامتلاك الأدوات الصحيحة التي تسمح لنا بتسويق وتصدير خدماتنا للأسواق العربية وخاصة السوق السعودي، سينعكس إيجاباً علينا خاصة في ظل التحديات الاقتصادية المحلية، ومعدلات النمو البطيئة، وانخفاض معدل التوظيف، وارتفاع معدل البطالة حيث أن تصدير الخدمات الهندسية سيكون رافدًا اقتصاديًا مهمًا، ومصدرًا لخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز التنمية المستدامة .
*ملتقى الاعمال الاردني – السعودي … غياب مؤسسي في لحظة محورية*
في هذا السياق، لا بد من التوقف عند ملتقى الأعمال الأردني السعودي الذي انطلق يوم الأربعاء30.8.2025 في عمّان، بتنظيم من غرفة تجارة الأردن و بالتعاون مع اتحاد الغرف السعودية، وبمشاركة أكثر من 100 شركة ومؤسسة من كلا البلدين فقد شهد هذا الملتقى حضور وفد سعودي رفيع المستوى، ضم ممثلين عن وزارات و هيئات مختلفة إلى جانب نخبة من المستثمرين وأصحاب الأعمال. ورغم أهمية هذا الحدث كمنصة استراتيجية للتشبيك وبناء العلاقات، فقد غابت نقابة المهندسين الأردنيين عن المشاركة الرسمية فيه ، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى جاهزية المؤسسات المهنية الأردنية للانخراط الفاعل في مثل هذه اللقاءات.
إن غياب النقابة عن هذا الملتقى، الذي أقيم على أرضها وبين مؤسساتها، يحرم القطاع الهندسي الأردني من فرصة ثمينة لتسويق خدماته، وبناء شراكات، واستكشاف فرص العمل في مشاريع كبرى، خاصة أن الملتقى تناول قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، المقاولات، الخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا المعلومات، وهذا الغياب يجب أن يكون جرس إنذار يدفعنا نحو إعادة تعريف دور النقابة كمحفز وميسر للفرص الإقليمية، لا مجرد مراقب خاصة في ظل التحولات الاقتصادية الكبرى التي تشهدها المنطقة.
*نحو تمكين هندسي أردني …*
إن الاستثمار في رأس مالنا البشري الهندسي، وتوجيهه نحو الفرص الواعدة في الأسواق الإقليمية ليس فقط ضرورة اقتصادية، بل هو استثمار في مستقبل أجيالنا القادمة، فبناء قدرات مكاتبنا وشركاتنا الهندسية وتأهيلها للانخراط الفاعل في هذه النهضة هو استثمار في مستقبل الأردن المهني وضمان لمكانتنا كقوة هندسية رائدة في المنطقة والعالم .