صلاح ابو هنود – مخرج وكاتب –
الأول نيوز – يشهد العالم في الأشهر الأخيرة تحوّلاً متسارعًا في الموقف من القضية الفلسطينية. دول أوروبية وآسيوية وأمريكية لاتينية تعترف تباعًا بالدولة الفلسطينية، فيما تتعالى الأصوات في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية مطالبة بإنهاء الاحتلال. هذه التحولات تكشف أن إسرائيل تسير في اتجاه معاكس، فتبدو معزولة أكثر من أي وقت مضى، وكأنها تصر على البقاء «عالقة على الشجرة»، عاجزة عن إعلان انتصار، ورافضة الاعتراف بالهزيمة.
أزمات الداخل
داخليًا، يعيش النظام السياسي الإسرائيلي حالة من التوتر والانقسام. الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو هش، مهدد دائمًا بالانهيار إذا قررت أي من القوى الشريكة الانسحاب. الأزمات القضائية تلاحق رئيس الوزراء نفسه، ما يضعف شرعيته، ويزيد من الانقسام بين مؤيديه وخصومه. فوق ذلك، الحرب المستمرة في غزة وما خلفته من خسائر بشرية ومادية واستنزاف اقتصادي، خلقت مناخًا ضاغطًا يصعب تجاهله.
الاقتصاد، رغم محاولات الحكومة طمأنة الأسواق، يتأثر بوضوح. تكاليف الحرب، وانخفاض الثقة، وازدياد العزلة الدبلوماسية تضع علامات استفهام على قدرة إسرائيل على مواصلة الإنفاق العسكري الكثيف دون ثمن اجتماعي باهظ. الأوضاع المعيشية بدأت تشكل مصدر قلق للمواطن العادي، وهو ما ينعكس في استطلاعات الرأي التي تظهر تآكل ثقة الجمهور بالقيادة.
الغرور السياسي
رغم هذه الضغوط، يتصرّف نتنياهو وكأن إسرائيل قادرة على تحدي العالم بأسره. يتحدث بلغة المنتصر، ويواصل المراوغة في القبول بحل الدولتين أو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. هذا الإصرار يعكس مزيجًا من الحسابات الشخصية والسياسية: فهو يخشى أن يعني أي تراجع هزيمة شخصية أمام خصومه، وربما فتح الباب أمام نهاية مسيرته السياسية تحت وطأة المحاكمة. كما أن تحالفه مع قوى اليمين المتطرف يجعله رهينة لمطالبها، حيث يعتبر أي تنازل «خيانة» لخطاب القوة.
لكن الغرور السياسي لا يمكن أن يخفي الحقائق. إسرائيل تواجه عزلة دبلوماسية غير مسبوقة. أصدقاء الأمس بدأوا يتحدثون بلهجة ناقدة، والتحالفات التقليدية تهتز. في المقابل، القضية الفلسطينية تستعيد زخمًا لم تعرفه منذ عقود، حيث تتلاقى الأصوات الدولية على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة لا مفر منها.
مأزق البقاء على الشجرة
المفارقة أن نتنياهو ليس وحده العالق على الشجرة. حليفه دونالد ترامب، الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض، يطرح مبادرات تبدو وكأنها محاولات لإنقاذ صديقه، لكنه نفسه يواجه قيودًا داخلية وانتخابية تجعل مبادراته بلا وزن حقيقي. كلاهما يتصرّف وكأن الزمن توقف، فيما العالم من حولهم يتغيّر ويعترف بالدولة الفلسطينية ويعزل إسرائيل أكثر فأكثر. الزمن لا ينتظر المتعنتين، ومن لا يعرف كيف ينزل بكرامة سيُجبر على السقوط سقوطًا مهينًا.