صلاح أبو هنود – مخرج وكاتب –
الأول نيوز – لم يكن السابع من أكتوبر صفحةً تُقفل في دفتر التاريخ، بل لهيبًا امتد في الجسد العربي وأيقظ أشياءَ تُرى ولا تُقهر.
في ذلك الصباح انقضّت الأسطورة المُعتَمدة: أن القوة المطلقة تُحقِّق العدل. انهارت الصورة المركّبة عن من لا يُقهر، وتبدّى للمرة الأولى أن ما يُقاس بالعدد والآلة ليس وحده مقياس الحقيقة.
سلامٌ على الأطفال والشيوخ والنساء الذين جعلوا الدولة المدجّجة بكل أنواع السلاح مجرمة حرب تعيش به إلى نهاية الزمان.
سلامٌ لأولئك الذين لم يرضخوا للأمر الواقع، ولمن اعتقد العالم أنه رقمٌ يُحاسب بعيداً عن التاريخ والكرامة.
السابع من أكتوبر لم يكن مجرد عملٍ عسكري أو رد فعل؛ كان صرخةً من ذاكرةٍ مركونة، تذكّر أن شعباً لا يُحرم من إنسانيته إلا حين يوافق على أن يُكتب اسمه في قوائم الغياب.
عندما يثور الحلم في وجه القهر، تتحول الخسارة إلى شهادةٍ، وتنكسر أيّة محاولات لتجميل الإجرام تحت أسماءٍ رنانة كـ“الأمن” أو “الدفاع”.
في هذه الذكرى، نقرأ في وجه التاريخ أن ما حدث لم يحرر الأرض وحدها، بل كشف عن هشاشة منظومةٍ جعلت من السلاح عنوانًا للشرعية، ومن القتل آليةً لإعادة تشكيل وجدان الشعوب
لقد كانت هزّةً في توازن الاضطهاد، فالغاشم حين يعتاد على خداع العيون ينسى أن الإنسان إذا استعاد كرامته، صار لا يُخضعه شيء.
لم تكتب هنا لنحتفل بالعنف، بل لنمسك بيد الحقيقة التي تقول: إن الخطيئة الحقيقية ليست في المقاومة، بل في استمرار الاحتلال وكسر الإرادة الإنسانية.
في كل بيتٍ غزّي، وفي كل عينٍ فقدت أحبتها، يولد وعيٌ جديد يرفض التطبيع مع الموت.
كل طفلةٍ نجت، وكل أمٍ صمدت، هي مرآة للزمن القادم الذي سيُعيد للإنسان معناه.
أما الدولة المدجّجة، التي تقتل بدمٍ باردٍ وتبرر بالسياسة، فقد فقدت شرعيتها الأخلاقية إلى الأبد.
فهي، وإن امتلكت السلاح والإعلام والدعم، ستبقى تحمل وصمتها الكبرى، اللعنة التي لا تُمحى من ذاكرة الأجيال:
مجرمة حرب تعيش به إلى نهاية الزمان.