صلاح ابو هنود –
مخرج وكاتب –
الأول نيوز –
نحن أمام أحد أكثر المشاهد السياسية الصادمة في العقد الأخير: ترامب يقف في الكنيست الإسرائيلي ليمنح الغطاء السياسي لرئيس حكومة متهم بالفساد ومجرم حرب حسب عدة تقارير دولية. الطلب الذي وجّهه ترامب إلى الرئيس الإسرائيلي لإصدار عفو عام عن نتنياهو لم يكن مجرد مناورة سياسية، بل محاولة لتبييض سجل شخصي وتحويل مجرم فاسد إلى بطل في نظر الرأي العام الدولي.
رفع شعار “إسرائيل أكبر”، يعكس سياسة احتلال، توسع، على حساب الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين. والسلاح الذي يتباهون به هو نفسه الذي دمر غزة، وأدى إلى معاناة آلاف المدنيين الأبرياء. العالم الكبير ليس غبيًا؛ لا يمكن خداعه بأن من ينهب بالقوة ويستثمر بالقتل هم أبطال للسلام
كما قال تولستوي: “نحن المنخورون ونحن الفاسدون، يتكئ بعضنا على الآخر”. هذه العبارة تلخص المشهد السياسي الراهن: ازدواجية صارخة بين ما يعلنونه وما يفعلونه. خطاب الكنيست يكشف التناقض بين تمجيد السلطة والبطولة وبين التستر على الجرائم والفساد. واحتقار العدالة ، ترامب ونتنياهو يحاولان صنع أسطورة مزيفة، لكن الواقع الميداني، وذاكرة الشعوب، لن يسمحا بتزوير الحقيقة.
هذه الخطابات تهدف إلى إعادة صياغة السردية العالمية: تحويل الاحتلال، القمع، والفساد إلى إنجازات، وصياغة صورة نتنياهو كبطل قادر على الانتصار. كل خطاب هو محاولة لتغطية الجرائم السياسية والقانونية، واستغلال النفوذ الأمريكي لتأجيل الحساب الدولي والمحلي. لكن هذه السردية الزائفة تصطدم بالذاكرة الحية للشعوب والناشطين والصحافة المستقلة، التي توثق يوميًا الانتهاكات
ترامب ونتنياهو يحاولان تغليف القوة العسكرية والسياسية بواجهة السلام، لكن الواقع يعكس غير ذلك: كل توسع، كل قصف، وكل انتهاك للحقوق الفلسطينية هو دليل على أن البطولة المزعومة كاذبة القوة التي يتباهون بها هي نفسها القوة التي تدمر حياة المدنيين الفلسطينيين وتحرمهم من الحقوق الأساسية.
الرسالة الصادمة هي أن المنخورين الحقيقيين يحاولون اختلاق أساطيرهم على حساب الحقيقة، بينما الحقائق الإنسانية والعدالة الدولية تراقب وتوثق. العالم الكبير ليس غبيًا، ولن يقبل تزييف الحقائق باسم القوة أو التحالفات السياسية.
في نهاية المطاف، الكنيست لم يكن مجرد منصة سياسية، بل كشف عن ازدواجية المعايير، عن فساد القيادة، وعن انفصال تام بين السلطة والمواطن، بين القانون والمصلحة الشخصية. المنخورون يتكئ أحدهما على الآخر لتجنب الحساب، ويصنعان أسطورة زائفة للبطولة، بينما الحقيقة والضحايا باقون، والعدالة ستأتي عاجلًا أم آجلً