الاول نيوز – شاكر خليف
في ظل توجه وطني نحو بناء قيادات المستقبل، يبرز دور محوري لمؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها النقابات المهنية ، هذه المؤسسات التي تمثل عشرات الآلاف من الخبراء والمختصين في كافة القطاعات هي ليست مجرد هيئات للدفاع عن حقوق منتسبيها و تقديم الخدمات لهم ، بل هي شريك استراتيجي للدولة في مسيرة التنمية والتحديث ، و إن تجاهل هذا الدور أو إبقائه في إطاره التقليدي يمثل إهداراً لطاقات كامنة هائلة يمكن أن تسرّع من تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية .
النقابات المهنية: من العمل السياسي إلى صناعة القيادات
تاريخياً، لعبت النقابات المهنية الأردنية أدواراً سياسية واجتماعية بارزة، وكانت في كثير من الأحيان صوت المجتمع وهمومه ، ومع أهمية هذا الدور، إلا أنه قد طغى في كثير من الأحيان على الدور المهني والتنموي الأساسي لهذه المؤسسات فأحدث هذا الانغماس فجوة في الثقة بين المنتسبين ومجالس النقابات .
أما اليوم، ومع انطلاق مرحلة التحديث السياسي والاقتصادي، فإن النقابات مدعوة إلى إعادة تعريف دورها، والانتقال من كونها “حديقة خلفية” للعمل السياسي إلى كونها “مصانع” للقيادات المهنية والفنية التي تحتاجها الدولة فهي تمتلك( أقصد النقابات ) موارد مالية وبشرية ضخمة، وبنية تحتية تنظيمية تمتد في كافة أنحاء المملكة، مما يؤهلها لتكون الذراع التنفيذي لبرامج إعداد وتأهيل القيادات الحكومية المستقبلية .
تفعيل الدور التنموي للنقابات
إن تفعيل هذا الدور يتطلب تحولاً في فكر وآليات عمل النقابات. فبدلاً من الاكتفاء بالدور التقليدي، يمكن للنقابات أن تتبنى نموذجاً جديداً يركز على بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية، وهو ما أشارت إليه دراسة صادرة عن مؤسسة الملك الحسين بأن ذلك يمكن تحقيقه من خلال :
* تصميم برامج تدريبية عالية المستوى، بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث والقطاع الخاص، تركز على المهارات القيادية الحديثة، مثل التخطيط الاستراتيجي، وإدارة الابتكار، والتحول الرقمي، والحوكمة الرشيدة .
* تحديد الكفاءات الشابة والمتميزة من بين منتسبيها، وإدخالهم في برامج توجيه وإرشاد (Mentoring) مكثفة تحت إشراف قيادات نقابية ووطنية سابقة، لنقل الخبرات وتأهيلهم لتولي المناصب القيادية.
* بناء شراكة حقيقية مع الحكومة، بحيث تصبح النقابات هي المزود الرئيسي للخبرات والكفاءات عند اختيار القيادات الحكومية في مختلف المستويات الإدارية .
* توجيه جزء من استثمارات النقابات نحو مشاريع تنموية توفر فرصاً تدريبية وعملية للشباب، وتساهم في حل مشكلتي الفقر والبطالة، وتكون بمثابة مختبر عملي لتطبيق المهارات القيادية .
إن الاستثمار في صناعة جيل جديد من القيادات ليس ترفاً فكرياً، ولا مجرد شعار يُرفع في المؤتمرات والندوات بل هو ضرورة استراتيجية وإن بناء هذه القيادات هو جهد وطني تشاركي و ليس مهمة حصرية للحكومة أو للنقابات وحدها، فالاستثمار في القيادات هو استثمار في مستقبل الأردن ، والنقابات المهنية بما تملكه من إمكانات وخبرات، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتكون في قلب هذا الاستثمار لضمان نجاح مسيرة التحديث، وتحقيق رؤية الأردن في مئويته الثانية كدولة مزدهرة ومنيعة، قادرة على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص ، فالقيادة المبنية على المعرفة والكفاءة والنزاهة هي التي ستبني جسوراً متينة بين الدولة ومجتمعها .