صدام البدور – الأول نيوز –
من أوائل المواضيع التي يواجهها طالب القانون عند دراسته لمادة القانون الدستوري هو ذلك العنوان العريض المتعلق بـ الفصل بين سلطات الدولة التشريعية والقضائية، والتنفيذية
إذ يكون لكل سلطة في الدولة مهام محددة تمارس من خلالها اختصاصها وسيادتها وغالبًا ما يتصف هذا الفصل بـ المرونة بحيث لا ينعدم التواصل والتشاور بينها، من أجل إيصال الدولة نظامًا وشعبًا إلى برّ الأمان والاستمرارية، وتحقيق الحد الأدنى من الخدمات العامة
ولكي لا نغرق في الجانب الأكاديمي البحت، نحاول إسقاط هذا المبدأ على الواقع الأردني، وبيان مدى تغوّل إن صحّ التعبير السلطة التشريعية على اختصاصات السلطة التنفيذية
فعلى مدى سنوات طويلة ارتبط في ذهن المواطن الأردني اسم النائب بأنه صاحب العصا السحرية، أو كما يُقال مجازًا بيده عصا سيدنا موسى
فعندما يواجه المواطن مشكلة في التعيين يُقال له شوفلك نائب
وإذا واجه مشكلة قانونية، تتكرر العبارة ذاتها شوفلك نائب يتابعلك بعمان
بل وصل الأمر إلى أبسط الأمور الحياتية كتركيب لمبة إنارة في شارع تابع للبلدية أو نقل موظف من مؤسسة إلى أخرى أو حتى داخل المؤسسة الواحدة بل وحتى تقديم موعد طبي في مستشفى حكومي
والحقيقة أن هذه الأمور وإن بدت في ظاهرها من صميم عمل النائب إلا أنها لا تندرج ضمن اختصاصه المباشر إلا في حال كانت قضية عامة تمسّ مبدأ العدالة أو تنطوي على ظلم عام
لكن خلال السنوات الماضية
أصبح دور النائب وهو المحرك الأساس للسلطة التشريعية والقائم الأول عليها ينحصر في هذه الأعمال الخدمية في حين أصبحت مهامه الدستورية الجوهرية وهي الرقابة والتشريع شكلية أو ثانوية
وهو أمر غير محمود في نظر فقهاء القانون الدستوري والسياسي
إلا أنّ ما يُلاحظ مؤخرًا هو أن السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة، قد بدأت تستعيد زمام دورها وتسعى إلى تحجيم تغوّل السلطة التشريعية من خلال إعادة النائب إلى موقعه ووظيفته الدستورية الأصلية فلم يعد “نائب الخدمات” الذي يعيّن وينقل ويتوسط، بل عاد تدريجيًا إلى دوره الأصيل في الرقابة والتشريع
إنّ هذا التحوّل في طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يُعدّ مؤشرًا على نضوج التجربة الدستورية الأردنية، وسعي الدولة إلى إعادة ضبط ميزان السلطات وفقًا للمبادئ الدستورية الصحيحة
فعودة النائب إلى دوره الحقيقي في الرقابة والتشريع، لا تعني انتقاصًا من مكانته أو تهميشًا له بل هي استعادة لهيبة السلطة التشريعية ولجوهر وظيفتها في تمثيل الشعب ومساءلة الحكومة
أما الحكومة فإن ممارستها لصلاحياتها التنفيذية بعيدًا عن الضغوط أو المجاملات تمكّنها من أداء واجبها العام بموضوعية وعدالة أكبر بما ينعكس إيجابًا على كفاءة الإدارة العامة وجودة الخدمات المقدّمة للمواطنين
وفي النهاية فإنّ تحقيق التوازن الحقيقي بين السلطات لا يكون بالصراع أو الهيمنة بل بالتكامل والتعاون ضمن الحدود التي رسمها الدستور، وصولًا إلى دولة يسود فيها القانون وتعلو فيها مصلحة الوطن على كل اعتبار ونحن نرى مثال هذا التحول من خلال زيادة عدد استخدام الأدوات الرقابية مثل الأسئلة النيابة والزيارات النيابة مقارنة بالمجالس السابقة
هذا وعمر المجلس في بدايته فمع مرور الدورات القادمة للمجلس سيتضح تأكيد هذا الفصل وسينضج أكثر وسينعكس ذلك على انتخابات النيابية القادمة بحيث تتبلور الفكرة لدى الناخب عن طبيعة عمل النائب مما قد ينعكس على النتائج