المواطن الأردني ليس عبئاً ..

 

الاول نيوز – محمد قاسم عابورة –

بداية كل الإحترام والتقدير لرئيس مجلس النواب ، ولكن التصريح الذي أدلى به حول ضرورة أن “ينضبط الأردنيون على إيقاع حركة الدولة وأن يكونوا رديفًا لها لا عبئًا عليها” . يستدعي وقفة نقدية جادة ، ويثير جملة من الإشكاليات الجوهرية التي تتطلب تحليلاً موضوعياً متأنياً ، لا سيما على المستويين الدستوري والسياسي-الاقتصادي ..
يبدو أن التصريح يخلط بين مفهومي “الدولة” و”الحكومة”، وهما مفهومان مختلفان في الفكر السياسي والدستوري ، فالدولة كيان سيادي دائم ، يقوم على أركان ثابتة تتمثل في الشعب والإقليم والسلطة السياسية المستقلة ، وهي تجسيد للإرادة العامة والكيان القانوني الأعلى ، أما الحكومة ، فهي أداة مؤقتة لإدارة شؤون الدولة ، تتغير ببرامجها وأدائها وموازناتها ، وعندما تتحول مطالبة المواطنين بالانضباط لإيقاع الحكومة و الانصياع لسياساتها وان لا يكون عبئا عليها ، فإن ذلك يتحوّل من حوار ديمقراطي قائم على مساءلة الأداء وقياس الفعالية ، إلى خطاب طاعة غير مشروط ، وهو ما يتعارض جوهرياً مع مبادئ الحكم الرشيد والمساءلة والمحاسبة .
التصريح يقلب المعادلة الدستورية رأساً على عقب ، فالدستور الأردني واضح وصريح في أن “الأمة مصدر السلطات” ، والشعب ليس “عبئاً” على الدولة ، بل هو صاحب السيادة فيها ، والحكومة بمثابة خادمة له ومنفذة لإرادته ، وعندما تتحول العلاقة إلى أن الشعب ينضبط على ايقاع الحكومة ، فهذا يعني – ضمنياً – أن الحكومة أصبحت هي الأصل ، وهذا انحراف خطير عن مفهوم العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة الحديثة ، حيث تستمد الحكومة شرعيتها من مدى تمثيلها للمواطنين وقدرتها على تحقيق مصالحهم .
المواطن الأردني يتحمل تبعات تراكم أخطاء وسوء أداء الحكومات المتعاقبة ، وهو يدفع باستمرار أثماناً باهظة على شكل ضرائب ورسوم متعددة ، وصلت إلى حد أن المشرّع لم يعُد يجد أسماء جديدة لها بعد أن استنفذت الحكومة كل أنواع وأسماء الضرائب المعروفة عالمياً ، فكيف يمكن وصف من يتحمل هذا العبء المالي والاجتماعي بأنه “عبء” على الحكومة او “الدولة ” . وهنا يجب أن ننظر إلى الواقع الذي يعيشه المواطن الأردني من خلال نظرة سريعة على الأرقام الرسمية :
1 – العبء الاقتصادي والاجتماعي حيث المواطن يدفع ثمن فشل السياسات الحكومية :
• عبء البطالة : كيف نطلب الانضباط على ايقاع الحكومة من جيل كامل يواجه أعلى معدلات بطالة في المنطقة ، حيث بلغ المعدل العام 21.3% ، ويتجاوز 50% بين فئة الشباب ، ويصل إلى نحو 60% بين حملة الشهادات ، فهذه ليست مجرد أزمة اقتصادية ، بل هي قنبلة موقوتة وهدر صارخ لأهم رأس مال وطني وهو الطاقة البشرية .
• عبء التضخم والضرائب : كيف يكون المواطن رديفاً للحكومة وهو يعاني من تآكل مستمر في القدرة الشرائية بارتفاع معدل التضخم ، بينما يُفرض عليه عبء ضريبي متصاعد ، حيث تشكل الإيرادات الضريبية 75% من إجمالي إيرادات الحكومة ، دون أن يلمس تحسناً ملموساً في جودة الخدمات العامة ، فمثلاً أين هو التحسن في الخدمات الصحية والتعليم .
• ارتفاع صاروخي للدين العام : من يتحمل عبء ارتفاع الدين العام الذي تجاوز 46 مليار دينار (نحو 119% من الناتج المحلي الإجمالي ) سوى الأجيال الحالية والمقبلة من المواطنين ؟ الحكومة ترهن مستقبل البلاد ثم تطلب من المواطن تنفيذ سياسات تقشفية لسداد هذا العبء الذي لم يُخلق بيده ولم يكن طرفا في هدره وإنفاقه .
2 – العبء الفساد وسوء الإدارة :
• مؤشرات الفساد : مع كل حملات مكافحة الفساد ، و بحسب مؤشر مدركات الفساد، لا يزال الأردن يحتل مراتب متأخرة نسبياً (المرتبة 60 من أصل 180 دولة )، مما يشير إلى استمرار مشكلة حقيقية تزعزع ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وبجدوى وجدية خطط الإصلاح .
• العجز الدائم في الموازنة العامة ، عجز الحساب الجاري كما في 30 أيلول بلغ -7.4% ، وعجز الموازنة بعد المنح بلغ -5.6% ، مما يعكس خللاً هيكلياً في إدارة المال العام .
• الهدر في المال العام و سوء إدارة الموارد ، من خلال حملات مكافحة الفساد تم رصد حالات فساد و هدر المال ، وكذك يوجد سوء إدارة الموارد ، فعلى سبيل المثال نشهد في قطاع حيوي مثل المياه ، تصل نسبة الفاقد في الشبكة إلى حوالي 47%، وهي خسارة فادحة في بلد يعاني من الشح المائي ، وكذلك الحال في قطاع الطاقة ، حيث يقدر الفاقد الكهربائي بنحو 13%، وتتراكم خسائر القطاع التي تتجاوز 6 مليارات دينار، يتم تغطيتها إما بزيادة الأعباء على المواطن مباشرة أو من خلال زيادة الدين العام .
من خلال تحليل الأداء الاقتصادي، تُظهر المؤشرات الرقمية حجم التحديات القائمة، حيث تتحمل فئات المجتمع عبئاً مضاعفاً بينما تُحرم من عوائد التنمية ، فالمواطن الذي يلتزم بسداد التزاماته المالية ، ويواجه تحديات البطالة والتضخم ، ويُحمّل تبعيات الفشل المتراكم لسياسات الحكومات المتعاقبة ، ويشهد إهداراً للموارد العامة ، يبين أن جوهر الإشكالية تكمن في طبيعة العلاقة بين الجكومة والمواطن ، و تعريف مفهوم الشراكة الحقيقية ، فالدولة بمؤسساتها الدستورية هي إطار جامع للسيادة والهوية ، لكن الحكومة ببرامجها وسياساتها هي الطرف المسؤول عن تحقيق المصالح للمواطن وإدارة الأزمات .
المطلوب اليوم إرادة سياسية حقيقية تترجم إلى مصالحة وطنية مع المواطن عبر سياسات اقتصادية عادلة تخفف الأعباء المعيشية، وإصلاح مؤسسي جذري يحاصر الفساد ويحسن أداء الجهاز الحكومي ، و تتحول فيه العلاقة من منطق الوصاية إلى منطق الشراكة والمساءلة ، وعليه فإن المعادلة تتطلب تحولاً جوهرياً في التعامل مع المواطن كشريك في السلطة والمسؤولية ، ولا يمكن تحقيق شراكة مجتمعية فاعلة إلا من خلال تبني خطة إصلاح سياسية شاملة ، تقوم على الشفافية والمحاسبة ، مما يمهد لعلاقة جديدة تقوم على الثقة لخدمة الصالح العام وتحقيق طموحات الشعب الذي هو مصدر السلطات .

 

عن Alaa

شاهد أيضاً

ذكرى تأسيس الامم المتحدة

الأول نيوز – شفيق عبيدات تمر ذكرى الثمانين على تأسيس الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه …