بين الضحية والجلاد حين يُعاد رسم الحقيقة بدم الأبرياء

صلاح ابو هنود – الأول نيوز –

  • مخرج وكاتب –

 

“في زمنٍ صار فيه الجلاد ناطقًا باسم العدالة تصبح الحقيقة جريمةً كبرى.

في هذا العالم المنكفئ على مصالحه، تتبدّل الأدوار كما تتبدّل الأقنعة.

الجلاد يطلّ بوجه الضحية، والضحية تُدان لأنها لم تمت بعد.

تُعرض المأساة على الشاشات كأنها مشهدٌ من فيلمٍ طويلٍ لا يريد أحد أن ينتهي، فيما يتفرج العالم من مقاعد الراحة، يحصي الأشلاء ولا يحصي الخطيئة.

الصهيونية لم تنتصر لأنها أكثر عدلاً أو قوة، بل لأنها أحسنت تزوير الوعي.

حوّلت فلسطين إلى مسرحٍ عالميٍّ يرى فيه الإنسان قبحه فيغضّ البصر.

كل حجرٍ في غزة يشهد أن المسألة ليست أرضًا تُغتصب فقط، بل رواية تُختطف، وتاريخًا يُعاد تأليفه فوق رماد البيوت.

يتحدث الجلاد عن الأمن، كأنه لم يزرع الرعب في كل بيت.

يحدّثنا عن السلام، وثيابه تقطر من رماد الأطفال.

أما الضحية، فهي مطالبة أن تعتذر عن دمها، أن تُقنع القاتل بأنها غير موجودة.

في فلسطين، الكلمات تفقد براءتها.

الكلمة هناك ليست مجازًا، بل طلقةً في وجه النسيان.

البيت ليس جدارًا، بل ذاكرةٌ تحيا في أنقاضها.

وكل طفلٍ يولد هناك، يولد ومعه شهادة ميلادٍ ووصية مقاومة.

اختزلوا المأساة في أرقامٍ ومفاوضات، بينما يعرف الفلسطيني أن الحرية لا تُقاس بالمسافات بل بالكرامة.

فالضحية التي تعي حقيقتها، لا تُهزم.

والجلاد الذي يبني مجده على الأكاذيب، سيجد نفسه في نهاية الطريق بلا مرآةٍ ولا ذاكرة.

فالتاريخ لا يُكتب بالحبر وحده، بل بالوجدان.

وحين يسقط القناع الأخير، سيعرف العالم أنه كان يصفّق للمذبحة باسم السلام.

ففلسطين ليست صراعًا على أرض، بل اختبارًا أخلاقيًّا للبشرية:

من يقف مع الضحية، ومن يصافح الجلاد.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

وجع السودان… من اللاءات الثلاث إلى خرائط الفتنة الجديدة

د. أحمد ناصر الطهاروة – الأول نيوز –   في عام 2006 كنتُ أول موظف …