من هو الأردني؟ بحث في المعنى لا في الأصل

‎الأول نيوز – صلاح ابو هنود مخرج وكاتب 

في هذا الزمن الذي تتشابه فيه الوجوه وتضيع فيه الأصوات بين الضجيج، صار سؤال الهوية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. لم تعد الهوية بطاقةً أو علَمًا، بل ذاكرةٌ تبحث عن صدقها وسط عواصف التزييف والارتهان.
‎كلّما تمدّد العالم في الفضاء الرقمي، ضاق الإنسان داخل نفسه، كأنّ الكثرة لم تَزِدْه إلا وحدة. ومن هنا، عاد السؤال القديم في ثوبٍ جديد: من نحن؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن نحمل الوطن فينا قبل أن نحمله على أوراقنا؟
‎الأردن، في هذا السياق، ليس مجرّد دولةٍ صغيرة على خريطة بل هو وطنٌ صمد لأن أبناءه لم يكونوا نسخةً واحدةً من التاريخ، بل فسيفساء من الحكايات التي التقت عند فكرة الكرامة.
‎ولأن كل هوية حقيقية تبدأ بالسؤال، فإن سؤال «من هو الأردني؟» لا يُراد به نفيُ أحد، بل تأكيد المعنى قبل الاسم، والجوهر قبل الشكل.
‎لم يكن سؤال «من هو الأردني؟» يومًا سؤالًا عن الدم أو الورق، بل عن الوعي الذي يسكن الإنسان حين يختار هذه الأرض وطنًا له. فالأردن لم يُخلق من فراغٍ ولا من قبيلةٍ واحدةٍ ولا من حدودٍ مرسومة بالمسطرة، بل وُلد من فكرةٍ نبيلةٍ تجمع من تفرّقوا على خريطة التاريخ، ومن حلمٍ حمله الهاشميّون ومعهم من آمن بأن الكرامة يمكن أن تكون وطنًا.

‎من هو الأردني؟
‎هو ابنُ هذا التراب الذي تعلّم أن يكون كريمًا في القحط، صبورًا في الشدّة، شامخًا حين يهدأ الآخرون أو يضطربون.
‎هو من حفظ العهد، لا لأن القانون فرضه، بل لأن الفطرة أوصت به.
‎هو من يرى في العروبة جذره، وفي الأردن شجرته، وفي الإنسان ظله الذي لا يزول.
‎الجدل حول الهوية ليس خطرًا بحد ذاته، بل دليلُ حياةٍ وقلقٍ مشروع. فالذين يسألون عن معناها يخافون عليها من التمييع أو من التسييس، يخافون أن تُختزل في بطاقة أو في لهجة أو في ذاكرةٍ ناقصة. لكن الحقيقة أن الهوية الأردنية نسيجٌ من تنوّعٍ ووفاءٍ وصبرٍ طويل.
‎هي ليست امتيازًا لأحد، بل امتحانٌ للجميع.
‎الأردني ليس من وُلد هنا فقط، بل من آمن أن الكرامة لا وطن لها إلا العدل.
‎هو من رفض أن يتحوّل التاريخ إلى تركةٍ أو صكّ ملكيةٍ، ومن رأى في الآخر شريكًا لا طارئًا.
‎هو من إذا تحدّث بالعربية، سكنت كلماته نغمةُ البادية وهمسُ الزيتون وصدقُ الصخر.
‎الهوية الأردنية ليست حدودًا بل حالة وعي، لا تُقاس بالأنساب بل بالالتزام، لا تُورّث بل تُكتسب بالصدق، بالعمل، وبالموقف.
‎هي أن تنحاز إلى الوطن كلما انقسم الناس، وأن تبقى وفيًّا حين يغيب الضوء.
‎فالأردن ليس مساحة تُرسم على الخريطة، بل مساحة من الكرامة في قلب من يحبّه.
‎هو الفكرة التي صمدت حين تبدّل الزمان، والنخلة التي ظلّت واقفة رغم الريح.
‎كل من أحبّ هذه الأرض بحقٍّ، وحمل وجعها بصدق، وصان اسمها بشرف، هو أردنيٌّ ولو جاء من آخر الدنيا.
‎فالهوية ليست شهادة ميلاد، بل شهادة موقف، ولا تُكتب بالحبر، بل بالعهد.

عن Alaa

شاهد أيضاً

هل نحن حقا نمتلك “معلمين جددا”؟!

الأول نيوز – شيرين قسوس يمثل تأهيل المعلمين للتدريس في بيئات تعليمية بعيدة عن القمع …