الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – أنهيتُ سنتي الجامعيَّة الأخيرة بجدارة، وكان بروفسّور مادَّة الأدب العربيّ يهنِّئني دائمًا على أسلوبي المميَّز، وهو الكاتب الروائيّ المشهور ب. ر.
ويوم صدور النتائج اقترب منّي البروفسّور قائلاً لي: “هنيئًا لك، طالب نجيب. عليك ألاَّ تضيِّع وقتك خلال هذا الصيف. أسلوبك في الكتابة مميَّز وهو روائيّ بامتياز. اكتب رواية وأرسلها إليَّ لأبدي رأيي فيها. فأنا أتوقَّع لك مستقبلاً باهرًا في كتابة الروايات.”
فقلت له: “وكم تستغرق الرواية معك لكتابتها؟” فأجابني: “ليس أكثر من خمسة أيَّام. أمّا أنت، فأظنُّك تحتاج إلى أسبوعين لا أكثر لتكتب رواية لا تقلّ عن مئة وخمسين صفحة.”
فقلت له: “خمسة عشر يومًا فقط كافية لكتابة رواية! كيف السبيل إلى ذلك؟” فأجابني: “عليك أن تقفل الباب على نفسك… أنا أنتظر منك رواية بعد أسبوعين بدءًا من هذا التاريخ.”
فأجبته دون تفكير وبتحدٍّ ظاهر: “فليكن كذلك!”
عدتُ إلى البيت مشغول الفكر. وفعلاً قرَّرتُ أن أحبس نفسي في الغرفة مدَّة خمسة عشر يومًا. طلبتُ من أمّي أن تهيَّئ لي الطعام يوميًّا كما كانت تفعل دائمًا عند تحضيري للفحص. أقفلتُ خطّي الجوّال. وانزويت في غرفتي أجمع أفكاري علَّني أتوصَّل إلى كتابة شيء.
مرَّ اليوم الأوَّل وأنا أدور في الغرفة أكاد أشعر بالاختناق. أفكِّر وأفكِّر ولا أجد فكرةً أبدأ بها روايتي. أأتَّصل بالبروفسّور لأستعفي عمّا فُرض عليَّ؟ لا، لم أعتدِ الرجوع عن قرار اتَّخذته. لقد وضع البروفسّور فيَّ حافزًا جعلني ثابتًا في قراري.
قعدتُ في فراشي وأغمضتُ عينيَّ ورحتُ أسترسل في التفكير برواية تبدأ بصورة طبيعيَّة ثمَّ أُدخل فيها عقدة صعبة، والحلُّ يأتي في النهاية بعد سلسلة من المفاجآت. وفجأة لمعت الفكرة في رأسي، فأسرعتُ إلى المكتب وجلست أمام شاشة الحاسوب (الكومبيوتر) وبدأتُ بتدوين بعض الأفكار. وإذا بي أسترسل في الكتابة، صفحة تلو صفحة…
وقبل انقضاء الأسبوعين كانت الرواية كلُّها جاهزة، بعدما أعدتُ قراءتها مرَّتين وأضفت ما أضفت، وحذفت ما حذفت، وصحَّحت ما صحَّحت. وفي اليوم الخامس عشر كانت الرواية بين يدَي البروفسّور أستاذي… يا للأبداع!
كم هو صعب أن يُفرض عليك الحجْر مدَّة أربعة عشر يومًا. لا تعرف ماذا تفعل خلالها. تشعر منذ اليوم الأوَّل بالضيق والاختناق وكأنَّك فعلاً أُصبت بالوباء. ولكنَّك عندما تفكِّر في عمل يحتاج إلى مثل تلك الفترة لإنهائه، تجد الأيَّام تمضي بسرعة ولا تشعر فيها بالملل أو بالضجر أو حتَّى بالاختناق.
متى نتعلَّم أن نستفيد من كلِّ لحظة من لحظات حياتنا؟ متى نتعلَّم أنَّ الوقت ثمين والعمر قصير وما نحتاج إليه هو احترام وقتنا واستغلال كلِّ لحظة من لحظات عمرنا.
ألم يوجد وباء الكورونا ليعلِّمنا – بين أشياء كثيرة نتعلَّمها – كيف نستفيد من كلِّ لحظة تمرُّ في حياتنا؟ فكم من أوقات مرَّت دون فائدة، أتُرى الله لا يحاسبنا على أوقات لم نعرف كيف نستغلُّها خلال حياتنا؟
في الحجر كما في الحياة، فوائد كثيرة علينا أن نستغلّها ونستثمرها. يكفي أن نوجد لها حافزًا. أما حان لنا أن ندرك ذلك!