الحبُّ الحقيقيّ

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – تساءلتُ مرارًا كيف يتجلَّى الحبُّ الحقيقيّ؟

طلبتُ يومًا طعامًا عبر الهاتف متَّصلاً بمطعم مشهور، فردَّ عليَّ شخصٌ لا أعرفه وعند كلِّ سؤال يجيبني: “يا حبيبي” ويتابع الجواب…

وفي مرَّة أخرى، رأيتُ شخصًا يبيع بضاعة “كاسدة” ويقسم ويحلف أنَّ بضاعته لا يُعلا عليها. وختم قائلاً: “يا حبيبي، لستُ أرغمك على الشراء، لكن، إن درتَ في السوق كلِّه لن تجد أفضل منها”. وما إن مضى الزبون حتَّى بدأ البائع يكلُ على ذلك الزبون الشتائم…

وفي إحدى الجلسات، أخذ رجل ينعت شخصًا بأشنع الصفات وهو يروي قصصًا عنه تبرهن سوء أخلاقه، وفجأة، دخل ذلك الشخص علينا، فقام إليه الرجل وأخذه بين ذراعيه وراح يقبِّله وهو يقول: “حبيبي أنت، ابن الحلال عند ذكره يبان”. وإذ مضى الشخص بسرعة، عاد الرجل وتابع التجريح به…

عرفتُ رجلاً وامرأة وقعا في الحبِّ من أوَّل نظرة، وتدخَّل الكثيرون للحؤول دون تتميم زواجهما لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، وبعد زواجهما بشهر واحد، بدأت معاملات الطلاق بينهما. أين مضى بل كيف مضى ذلك الحبُّ الكبير الذي جمع بينهما؟

توأم تربَّيا معًا وكان كلُّ شيء مشتركًا بينهما. ما كان واحدهما يفترق عن الآخر أبدًا. يدرسان معًا، يسهران معًا، يأكلان معًا، حتَّى إنَّهما تزوَّجا معًا، وتعاهدا أن يبقيا طول العمر أخوين مثاليَّين. وبما أنَّ أحدهما اهتمَّ بأبيه المفلوج أكثر من أخيه، خصَّه بساعته الثمينة دون أخيه، بينما قسم كلَّ شيء مناصفة بينهما. وبسبب تلك الساعة، اختلفا وتخاصما وانفصل أحدهما عن الآخر وانقطعت العلاقة بينهما بشكل تامّ…

وأخبار لا تُحصى ولا تُعدّ يمكنني أن أسردها دون توقُّف، تظهر أحيانًا كثيرة أنَّ أسبابًا تافهة وسخيفة تفصل بين شخصين لطالما عاشا متحابَّين، إن كانا أخوين، أو صديقين، أو زوجين، أو حبيبين…

أتُرى الحبَّ أضحى مبتذلاً إلى هذه الدرجة؟ هل فقدت الإنسانيَّة معنى الحبِّ الحقيقيّ؟ أم ما زال هناك بصيصُ نور ينجلي بين حين وآخر، في أفق هذا العالم المظلم؟ نعم، ما زالت هناك مواضع لا يمكن لليأس أن يتغلغل فيها.

قرأتُ مرَّة جملة، استوقفتني كثيرًا، تقول: “لا تجعل هفوة صغيرة تمحو علاقة دامت طويلاً، بل اجعل العلاقة المتينة تمحو هفوة عابرة”.

وقال المسيح: “ما مِن حبٍّ أعظم من هذا، وهو أن يبذلَ الإنسان نفسه في سبيل أحبَّائه” ولم يكتفِ بهذا الكلام بل برهن عن حبِّه العظيم للإنسانيَّة عندما مات في سبيل هذه الإنسانيَّة.

ما زال الحبُّ هو سيِّدَ الموقف! وما دام الله موجودًا تبقى الكلمة الأخيرة للحبِّ، لأنَّ “الله محبَّة”، و”من أقامَ في الله أقام الله فيه”.فالمحبَّة هي رباط الكمال التي تجعل المستحيل ممكنًا، والانتقام مغفرة، والظلمة نورًا، والغائب حاضرًا، والضالَّ موجودًا، والميت حيًّا.

عيد الحبِّ الحقيقيّ هو يوم ماتَ المسيح!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

امتحان الرياضيات: مشكلة أم أزمة؟

د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   في الأردن اعتدنا أن نختصر القضايا والأحداث، …