الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – يقصده جميع الناس لأنَّهم يشعرون بالراحة معه. هو دائم الابتسام. لا يتغلغل الحزن إلى قلبه أبدًا. عندما ماتت والدته، رفع نظره إلى العلاء وقال: “أشكرك ربّي، على نعمة الحياة التي أعطيتها لأمّي. وإن رحلت الآن فأنت أدرى من البشر بما يؤول إلى خيرها”. ولم يحزن لفقدها، بل قيل لي إنَّه زاد صلاته كلَّ يوم نصف ساعة مدَّة أربعين يومًا.
أرسلتُ إليه رفيقًا لي تغلغل اليأس إلى قلبه، فعاد منشرح الصدر، مرتاح البال والخاطر. وعندما سألته: “ماذا قال لك؟” أجابني: “لم يقل شيئًا يُذكر، طرحتُ عليه قصَّتي، وما أشعر به من انقباض في النفس، فابتسم لي ابتسامة ساحرة وقال: “دعنا نصلِّي معًا”. وبعد نصف ساعة تبدَّد كلُّ ظلام من تفكيري ودخل السلام إلى قلبي. حقًّا إنَّه شخص مذهل”.
وأرسلتُ إليه أيضًا امرأة فقدت ابنها الوحيد، ما إن رآها حتَّى بادرها بقوله: “أتؤمنين بالحياة أم بالموت؟” فأجابت: “أنا أؤمن بالحياة”.
- “إذًا، لماذا تلبسين السواد؟”
- فقدتُ ابني منذ شهرين.
- وهل مضى ابنك إلى الجحيم أم إلى النعيم؟
- وكيف لي أن أعرف؟
- ألا تعرفين أنَّ ربَّنا هو ربُّ الحياة وليس ربُّ الأموات؟ انزعي السواد عنك، فابنك هو عند خالقه وخالقك.
- كيف لي أن أنزع السواد وقلبي أسود لفراق ابني؟
- لو أراد ابنك أن يسافر إلى الخارج ليشتغل ويتزوَّج ويعيش هناك ليؤمِّن مستقبله، أتُراك تلبسين السواد أيضًا؟
- بالطبع لا.
- أنتِ تعرفين جيِّدًا أنَّ مستقبله تأمَّن والحمد لله، وهو يعيش في سعادة مع ربِّه. لمَ الحزن إذًا؟ فالحزن سبب كلِّ الأمراض.
وظلَّ يحاورها حتَّى تخطَّت حزنها، وشدَّدها لتعيش الفرح الحقيقيّ بدل الحزن الذي لا يؤول إلى شيء. وطلب منها أن تهتمَّ بالأشخاص الذين فقدوا أحبَّاء لهم وتحاول أن تضع فيهم الرجاء والفرح.
أمّا أنا، فأردتُ أن أعرف سرَّ فرحه، فتوجَّهتُ إليه، وهو رجلٌ لم يتخطَّ الخمسين من عمره؛ خيَّاط ماهر، يجيد خياطة كلِّ شيء. ولكنَّه وجد في الصلاة دواءً ناجعًا لكلِّ داء. يفتح محلَّه عند التاسعة صباحًا بعدما يُنهي صلاة الصباح ثمَّ يتناول الفطور الذي يعتبره مقدَّسًا، لأنَّه لا يتعشَّى أبدًا. وفي المساء، يقرأ في كتاب دينيّ مدَّة ساعة كاملة ثمَّ يصلّي صلاة المساء ويخلد باكرًا إلى النوم. يقضي بقيَّة نهاره في الخياطة واستقبال الزوَّار والزبائن من جميع أنحاء البلاد.
بادرته بالتحيَّة فردَّ لي بمثلها. أطلعته عن سبب زيارتي. فابتسم وقال: “أنت أوَّل شخص يسترعي انتباهي. كلُّ إنسان يأتي إليَّ طلبًا للنصح والإرشاد، أو التماسًا لشفاء من مرض أو حالة نفسيَّة معيَّنة. أمّا أنت فجئت تسألني عن سرِّ سعادتي. فأقول لك جملة واحدة كافية للردِّ على سؤالك: “تعلَّمتُ أن أكون سعيدًا عندما أدركتُ أنَّ الحزن لا يقود إلى شيء”.